أهداف الولايات المتحدة في سوريا

23:04 مساء
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

ما تناقلته وكالات الأنباء مؤخراً، حول مقتل أربعة جنود أمريكيين في بلدة مركدة، على الطريق بين محافظتي الحسكة ودير الزور، شمال شرقي سوريا، بواسطة عبوة ناسفة استهدفت دوريتهم، خلال تنقلها ما بين حقلي الشدادي، والعمر، النفطيين، رغم أنه قد يبدو حادثاً عابراً للبعض، إلا أنه يحمل الكثير من الدلالات، لا سيما وأنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها قوات الاحتلال الأمريكي التي تتواجد بشكل غير شرعي على جزء مهم من الأراضي السورية، يجعلها تسيطر على معظم آبار النفط، بالتعاون مع ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية، «قسد»، في وقت يمر فيه الاقتصاد السوري بأزمة خانقة، حيث تحرم البلاد من ثروتها النفطية، ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ولا سيما بالنسبة لمحصول القمح الذي يعد محصولاً استراتيجياً، بكل معنى الكلمة.

 ورعم نفي «التحالف الدولي» الأنباء التي تحدثت عن مقتل هؤلاء الجنود الأمريكيين، إلا أن «البنتاجون» اضطرت للاعتراف بمقتل عدد من الجنود الأمريكيين، في أوقات سابقة، حيث أشارت إحصائية في العام الماضي إلى مقتل ستة جنود أمريكيين فقط، خلال العمليات الحربية في سوريا، وجرح 28 آخرين، إضافة إلى اعتراف واشنطن بمقتل ضابط في هجوم نفذه مسلحون مجهولون في إبريل/ نيسان من العام الجاري، منذ بدء التدخل العسكري الأمريكي في سوريا ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، منذ عام 2014 والذي اتخذته واشنطن ذريعة للتدخل في سوريا، وهو تدخل اتضح فيما بعد أنه محاولة أمريكية مكشوفة للسيطرة على ثروات هذا البلد العربي، حيث عمدت القوات الأميركية إلى إقامة العديد من القواعد العسكرية في هذه المنطقة ذات الاستراتيجية الاقتصادية المهمة، والتي تعتبر خزان الغذاء السوري، ومركز الثروة النفطية السورية، رغم انحسار خطر تنظيم «داعش» الإرهابي، أو على الأقل تحجيمه إلى أقصى مدى.

 وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، أفادت وكالة أسوشييتد برس، بأن الولايات المتحدة أرسلت قوات إضافية، ومدرعات، وأنظمة رادار، إلى شرقي سورية، إضافة إلى أنها زادت من دوريات مقاتلاتها في سماء مناطق تواجدها.

 ورغم الأهداف المادية للتواجد الأمريكي في سوريا، إلا أن هناك أهدافاً قد تكون أبعد من النفط، بحسب ما صرّح به بعض المسؤولين الأمريكيين، ومنهم السفير الأمريكي السابق في سوريا روبرت فورد، الذي زعم ذات مرة بأن النفط السوري لا يشكل قيمة مادية عالية، مبيناً أنّ الوحدات المدرعة والمدفعية التي أدخلتها القوات الأمريكية والتي لم تُشاهد من قبل داخل سوريا، تأتي في إطار استراتيجية واشنطن التي تقوم على دعم «قسد» لرسم مستقبل سوريا، زاعماً أن عائدات النفط السورية ستذهب إلى قوات سوريا الديمقراطية، وليس إلى خزينة واشنطن، ما يعني أن هناك خططاً أمريكية لتقسيم سوريا، وإلا ما معنى أن تذهب ثروة نفطية وطنية لمصلحة فصيل مسلح ساهمت المخابرات الأمريكية بقوة في إنشائه، وتسليحه، بكل أنواع الأسلحة.

 إن الإدارة الأمريكية السابقة ارتأت أن سوريا ومناطق قوات سوريا الديمقراطية، وفي ظل تعاظم المواقف الرافضة للوجود الأمريكي في العراق، ستبقى آخر منطقة صديقة وآمنة للقوات الأمريكية.، ورغم كل ذلك، فإن أحداً لا يستطيع تجاهل الدور الأمريكي المعرقل لأي تسوية سياسية واقعية في سوريا، تفسح المجال للدولة السورية بالسيطرة على أراضيها، وثرواتها النفطية وغيرها، ما يعني استمرار الجرح السوري النازف.

 الولايات المتحدة، وهي تصر على إبقاء قواتها في هذا البلد العربي، لم تعتبر بعد من تجاربها السابقة الفاشلة، التي أثبتت في أكثر من مكان أن المواقف الشعبية في سوريا تظل رافضة للاحتلال، وأن الحوادث والهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية، تحمل رسائل واضحة، مفادها أن هذه القوات غير مرحب فيها في سوريا، وأن تحقيق السلام في هذا البلد لن يكون إلا عبر انسحاب كل القوات الأجنبية، وإفساح المجال أمام الشعب السوري للوصول إلى مصالحة حقيقية تأخذ في الاعتبار المصلحة الوطنية السورية بعيداً عن كل الأجندات الخارجية، وإلا فإن الجغرافيا السورية ستبقى ساحة للمزيد من الصراعات المسلحة التي قد تتدحرج إلى حروب أوسع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"