د. نورة صابر المزروعي
يعرف علم الجمال (الإسـتطيقا) على أنه دراسة فلسفية للخصائص التي تبحث في جماليات الأشياء أو طبيعة القيم الجمالية والأحكام المتعلقة بها. وقد ارتبطت فلسفة الجمال قديماً بنظريات الآلهة، إلا أنها اتخذت منحى يتعلق بالفضائل والأخلاق، فنظريّة الجمال عند الفيلسوف أفلاطون مرتبطة بالجمال الإلهيِّ الذي يمثل «عالم المثل» أو عالم الحق الذي يحمل كل صفات الخير والفضيلة، ويمتاز بالثابت ولا يتبدل بتبدل الزمان والمكان. أما تلميذه أرسطو فهو يرى الجمال الحسي انعكاساً لجمال عالم المثل.
أما أبو حيان التوحيدي فيرى أن جمال الأشياء المادية، مصدره مستمد من الجمال المطلق وهو الله وحده، والطريق للوصول إليه لا يكون إلا بالتدبير؛ لذا وجب أن يسيطر العقل على كافة الحواس من أجل الوصول إلى الجمال المطلق، كما رأى أنه يجب على الإنسان التمعّن في جمال نفسه، واكتشاف بواطنها الداخلية، ومن خلال التمعن في الذات ومعرفة جمال النفس، يمكن استشفاف الجمال الخارجي، وكلاهما يصلان بالإنسان إلى معرفة الله.
يقول التوحيدي: «اعرف نفسك، فإن عرفتها تعرف الأشياء كلها، فترى جمالها»، وكان التوحيدي ينظر إلى الشهوات والملذات الحسية بوصفها تعيق العقل والنفس والروح عن الوصول إلى حقيقة الجمال.
أما أبو حامد الغزالي فقسم الجمال إلى نوعين: ظاهري يدرك بالحواس، وباطني يدرك بالبصيرة (بالقلب والعقل)، وكان يرى بأن هناك فئة من البشر تغلب بصيرتهم على حواسهم في إدراك جمال الكون، وهؤلاء إدراكهم للمعاني الباطنية أعمق من إدراك المعاني الظاهرية، فمن حرم البصيرة، فقد حرم معرفة الجمال الحقيقي، وربط الغزالي بين الجمال الظاهري والباطني في الإنسان وفي الطبيعة بالجمال الإلهي فقال: «لا جمال في العالم إلا وهو حسنة من حسنات الله، وأثر من آثار كرمه، وغرفة من بحر وجوده، سواء أدرك هذا الجمال بالعقول أو بالحواس، وجماله تعالى لا يتصور له ثانٍ، لا في المكان ولا في الوجود».
في قصيدة للشاعر إبراهيم بدوي يصف جمال الإله المطلق في الكون:
إنْ لم تكنْ عيني تراكَ فإنَّني... في كلِّ شيءٍ أستبينُ عُلاكا
يا منبتَ الأزهارِ عاطرةَ الشذا... هذا الشذا الفواحُ نفحُ شذاكا
يا مرسلَ الأطيارِ تصدحُ في الربا... صدحاتُها تسبيحةٌ لعلاكا
للهِ في الآفاقِ آياتٌ لعلّ... أقلّها هوَ ما إليهِ هداكا
ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قوله: «إنَّ اللهَ جميلٌ يحبّ الجَمالَ»، وقد تناول الحديث الشريف في سياق جمال الثياب (الهيئة)، إلا أن معنى الحديث أعمّ، ويتضمن جمال كلّ الأشياء في الكون، ومن الجمال الذي يحب الله تعالى أن يراه في عباده، جمال ظواهر وبواطن الأقوال، والأفعال.
Almazrouei2013gmail.com