د. نورة صابر المزروعي
لقد سافر العديد من فلاسفة الإغريق إلى مصر القديمة بغرض توسيع معارفهم، وتأثروا بعلومهم وفنونهم في كتابتهم، ومن أشهر فلاسفتهم على الإطلاق فيثاجورس الذي مكث في مصر اثنين وعشرين عاماً، يتعلم فيها علم الفلك وعلوم الحكمة والموسيقى؛ أحد العلوم المقدسة في مصر القديمة، واختص بها كبار الكهنة.
ويذكر المفكر اليوناني ديوجين لايرتيوس أن أفلاطون اشترى ثلاثة كتب عن المباحث الفيثاجورية القائمة على الحكمة المصرية، ما شجعه على السفر إلى مصر وتعلم فنونها، وانعكست آراؤه في كتابه «الجمهورية» وذكر أن الموسيقى المصرية من أرقى الموسيقات في العالم، وحث الأجيال على تعلمها.
تعلم أرسطو في مصر وتأثر بعلم الفلك والهندسة المقدسة والفنون، كما أن الفيلسوف ديورو الصقلي، درس الفلسفة في مصر. أما الفيلسوف طالس فسافر إلى إليها لدارسة علوم الكهنة، وتأثر بأفكار متأصلة في الثقافة المصرية القديمة، ومنها فكرة الحياة بعد الموت، وفكرة الخلود وتناسخ الأرواح. أسهم هؤلاء الفلاسفة في نقل المعارف والفنون المصرية إلى بلاد الإغريق. ويشير الفيلسوف والمؤرخ الإغريقي هيرودوت الذي سافر إلى مصر في القرن الخامس (ق.م) إلى أنه اعتاد على سماع أغانٍ مصرية أثناء وجوده هناك، وأصبحت لاحقاً يتم تداولها في بلاد الإغريق، كما أشار إلى انتشار حركة اليد المستخدمة في بلاد الإغريق، وكانت متداولة في مصر القديمة، وهي أصل التدوين والنوتة الموسيقية.
تؤكد الوثائق البريطانية أن أول من دوّن السلم الموسيقي هو فيثاجورس (572 497 ق.م)، بعد رجوعه من مصر، بينما يرجح علماء الآثار أن أول من وضعه هم المصريون القدماء. وفيثاجورس قام بنقل علم قائم بذاته. فنظرية فيثاجورس القائلة إن مربع الوتر يساوي مجموع ضلعي الزاوية القائمة في مثلت قائم الزاوية، كانت مأخوذة من قدماء المصريين الذين استخدموا هذه النظرية في بناء الأهرامات.
يذكر دكتور وسيم السيسي الباحث في علم المصريات، أن المصريين القدماء هم أول من وضع السلم الموسيقي الذي بدأ بخمس طبقات، واختتم بسبع، وعرفوا الأبعاد والمسافات الصوتية، ومنها البعد ونصف البعد بين النغمات، كما قام باحثون بدراسة أثرية لتأكيد أن منشأ السلم الموسيقي أصله فرعوني، ومنهم الأمريكي روبرت كاريس من جامعة كاليفورنيا، وأيضاً الباحث خبير الناي المصري محمد عفت.
مكّنت التجربة على آلات الناي المحفوظة بالمتحف المصري، الباحثين من استخراج السلم الخماسي والسباعي على الناي، أحدهما تم اكتشافه في المنيا، والآخر في السقارة، كما عرفوا أن قدماء المصريين كانت لديهم قياسات لترددات الذبذبة، التي اعتمد عليها لضبط نغمات الآلات الموسيقية. وكانت نتائج البحث أن أحدهما أعطى 439 ذبذبة، بينما أعطى الآخر 440 ذبذبة. وهذا يدل على أن الفراعنة القدماء كانوا بارعين في علم الموسيقى قبل اليونانيين.