الانعزال لا يساعد أمريكـا فـي منافسـة التكنولوجيــا الصينيــة

22:15 مساء
قراءة 4 دقائق

نوح سميث *

لن ينهي انتخاب جو بايدن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فقد تعهد الرئيس المنتخب بالفعل، بالإبقاء على تعريفات الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، كوسيلة ضغط للمفاوضات. وهذا يشير إلى فجر حقبة جديدة ودائمة من المنافسة الاقتصادية بين القوتين العظميين.

لكن بعيداً عن قضية التعريفات الجمركية والصفقات التجارية اللامعة التي تتصدر عناوين الصحف، هناك صراع اقتصادي آخر أكثر أهمية يحدث الآن، وهو «معركة السيطرة على الصناعات التكنولوجية». واستعراض الولايات المتحدة بعض أسلحتها شديدة الخطورة للفوز بهذه المعركة.

وبينما تقترب الصين من التكافؤ التكنولوجي مع الولايات المتحدة في مجموعة متنوعة من الصناعات عالية القيمة، عملت الولايات المتحدة على الحفاظ على مكانتها في السيادة. وفي عهد ترامب، صعّدت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، بشكل كبير، من إجراءات عرقلتها عمليات الاستحواذ الصينية على الشركات الأمريكية، وهي طريقة رئيسية تستخدمها الصين لامتلاك التكنولوجيا المتقدمة. وعلى الرغم من أن الأمن هو الدافع والمبرر الطبيعي والرسمي لذلك، فإن الاحتفاظ بالهيمنة التجارية للولايات المتحدة كان بلا شك هدفاً إضافياً تحت الطاولة.

ومن المحتمل أن يستمر نهج لجنة الاستثمار الأجنبي بشكل أكثر صرامة في ظل حكم بايدن. وربما تكون هذه خطوة ذكية، حيث لا يملك المستحوذون الصينيون الكثير ليقدموه لصناعة التكنولوجيا الأمريكية، باستثناء رأس المال، والصناعة غارقة بالفعل في ذلك، بفضل أسعار الفائدة المنخفضة واستمرار تدفقات الأموال الأجنبية والمحلية. ولكن ما كان أقل ذكاءً بشكل واضح سلاح ترامب الكبير الذي حارب به صناعة التكنولوجيا الصينية، وهو «ضوابط التصدير». إذ تمنع ضوابط التصدير الشركات الأمريكية من بيع التكنولوجيا للشركات الصينية. فعلى الرغم من أن الصين أصبحت أكثر تقدماً، إلا أن شركاتها الرئيسية لا تزال تعتمد على العديد من منتجات الأجهزة والبرامج المتخصصة التي يتم إنتاجها من قبل شركة واحدة فقط، أو شركتين عاليتي التخصص في الولايات المتحدة، أو الدول المتقدمة الأخرى، وعلى سبيل المثال، المعدات المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات. حيث يمكن أن يؤدي منع تدفق هذه المنتجات إلى إعاقة أعمال الشركات الصينية بشدة. وتم استخدام هذا السلاح لأول مرة ضد شركة «هواوي»، الرائدة في صناعة معدات الاتصالات في الصين، والمنافسة الشرسة في سباق التزود بتقنية «5جي».

ولفترة من الوقت، بدا الأمر كما لو أن ترامب قد رضخ، لكنه اتخذ إجراءات أكثر صرامة في هذا الخريف. ونجحت الضوابط في الإضرار بأعمال «هواوي» بشكل كبير، على الأقل على المدى القصير. ومن الواضح أن ذلك شجع ترامب على مضاعفة تكتيكه في هذا الصدد. وعليه، وسّعت إدارته مؤخراً ضوابط التصدير لتشمل أكثر من 60 شركة صينية، بما في ذلك صانعة أشباه الموصلات العملاقة «سميك» SMIC، وشركة صناعة الطائرات من دون طيار الشهيرة «دي جي آي» DJI. وكان التبرير الرسمي جاهزاً: تورط هذه الشركات مع الجيش الصيني. لكن يبدو أن الجولة الأخيرة من الضوابط تهدف أيضاً إلى منع الصين من السيطرة على أي صناعة ذات قيمة، وتقنية عالية.

وهذه لعبة خطيرة للغاية. فمنع تسرب الأسرار التجارية من الولايات المتحدة إلى الصين شيء، ومحاولة تحطيم صناعة التكنولوجيا الصينية برمتها شيء آخر، ومهمة أصعب بكثير، ومن غير المحتمل أن تنجح.

تتخصص الدول عندما تتاجر مع بعضها بعضاً. والولايات المتحدة عظيمة في قطاع البرمجيات، واليابان في تصنيع السيارات، وتايوان في صناعة أشباه الموصلات، وما إلى ذلك. أما بالنسبة إلى الصين وتكاملها مع الاقتصاد العالمي دون تخصصها في أي من منتجات التكنولوجيا الفائقة المنافسة دولياً، فسيكون ذلك أمراً غريباً للغاية. فلم تعد الصين منصة التجميع منخفضة الكلفة كما كانت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث تم تجميع أجهزة «آيفون»، جنباً إلى جنب مع مكونات مصنوعة في كوريا الجنوبية، واليابان، بل أصبحت المواهب التقنية والمعرفة المتراكمة لديها اليوم من الطراز العالمي. وهناك أشخاص في كل مكان في العالم يرغبون اليوم في شراء منتجات التكنولوجيا الصينية، ولن تتمكن الولايات المتحدة من إيقافهم.

وفي غضون ذلك، تضر ضوابط التصدير بالشركات الأمريكية. ففي حال لم تتمكن الصين من شراء معدات عالية التقنية وأشباه الموصلات والبرامج من الولايات المتحدة، فسوف تشتريها من اليابان، أو أوروبا، أو أي مكان آخر. وفي حال تمكنت الولايات المتحدة من منع ذلك أيضاً، فستتعلم الصين ببساطة كيفية صنع المنتجات بنفسها. وستكون النتيجة الدائمة الرئيسية خسارة إيرادات للمصنعين الأمريكيين الذين سيتم الآن استبعادهم بشكل كامل من السوق الصينية. وبالتالي، يمكن أن تؤدي ضوابط التصدير بسهولة إلى الإضرار بالولايات المتحدة أكثر من الصين.

وأفاد معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بأنه اعتباراً من يوليو/ تموز الماضي، مثلت الصين ربع عائدات الشركات المصنعة لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة، في حين حصلت الصين على 5% فقط من أشباه الموصلات من الولايات المتحدة، لذلك يمكن استبدال الموردين الأمريكيين بسهولة أكبر من استبدال السوق الصينية. ويشير التقرير إلى أن الصانعين الأمريكيين سيخسرون أعمالهم في أماكن متعددة أيضاً، لأن الدول الأخرى تخشى أن تحاول الولايات المتحدة منعها من بيع المنتجات المصنعة بمعدات أمريكية إلى الصين. فضلاً عن أن ضوابط التصدير ستمنع المصنعين الأجانب من الاستثمار في الولايات المتحدة، حيث لن يتمكنوا عندئذ من بيع منتجاتهم للصين.

بعبارة أخرى، تعتبر ضوابط التصدير محاولة لإجبار صناعة التكنولوجيا العالمية على الانقسام بدقة إلى مجالين: أحدهما صيني، والآخر أمريكي. ولكن نظراً لأن السوق الصينية ضخمة جداً، فقد تجد أمريكا مجالها أصغر بكثير، وأكثر إثارة للشفقة من المجال الصيني.

ومن خلال عزل نفسها خلف الستار الحديدي الاقتصادي، تخاطر الولايات المتحدة بتكرار الأخطاء التي ارتكبها منافسها في الحرب الباردة، الاتحاد السوفييتي. و«ضوابط التصدير» هي ببساطة أداة خطيرة للغاية للمنافسة الاقتصادية، وسلاح ذو حدين.

وتوجد طرق أخرى للحد من وصول التكنولوجيا العسكرية الصينية، مثل الجهود الناجحة والمتزايدة لإبعاد العالم عن تقنية «5جي» من «هواوي». وعلى الولايات المتحدة أن تلتزم بأدوات من هذا القبيل، مع ترقية صناعة التكنولوجيا الخاصة بها، وإنفاق المزيد على البحث.

* كاتب في بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ مساعد في جامعة ستوني بروك

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"