عادي

الموروث.. منحوتة على مقاس القلب

23:47 مساء
قراءة 5 دقائق
1
1

استطلاع: نجاة الفارس

ثمن عدد من الكتاب الإماراتيين، جهود الباحثين في استكشاف أهم معالم الثقافة الشعبية الإماراتية، وأكدوا أننا بحاجة إلى الدراسات التطبيقية والمقارنة في هذا المجال، وطالبوا بتأسيس موقع إلكتروني خاص بهذه الدراسات.

كما دعوا في استطلاع ل«الخليج» إلى ضرورة تغذية مناهج التعليم بمفاهيم الحياة الشعبية وما كان عليه الآباء والأجداد، موضحين أن التمسك بالثقافة الشعبية لا يعني عدم التطور ومواكبة العصر؛ بل العكس تماماً، لأن الأساس القوي يصنع مستقبلاً أقوى.

تقول الشاعرة شيخة المطيري: «أعتقد بأن الجوانب الشعبية في الثقافة الإماراتية قد وجدت عدداً من الجهود التي قام بها الباحثون، لكن أغلب تلك الجهود تصب في مجال الشعر الشعبي وتحقيق التراث المحفوظ منه، وهذا أمر محمود؛ إذ نستطيع من التراث الشعري المحقق أن نمتلك ناصية قوية لانطلاقة الأبحاث المتعلقة بالجوانب الثقافية والاجتماعية والبيئية وغيرها،  ».

تضيف المطيري : « وقد تم بالمقابل أيضاً رصد عدد كبير من المقابلات الشخصية مع الرواة الذين عاصروا أحداثاً كثيرة وحفظوا في ذاكرتهم ملامح الحياة بما فيها من أسماء وأمكنة ومناسبات، وكل هذا المتحقق من المادة المجموعة شعراً وتوثيقاً للذاكرة أصبح بحاجة الآن إلى قراءة أو لنقل إعادة قراءة.أشعر بأننا بحاجة إلى الدراسات التطبيقية والمقارنة في مجال الثقافة الشعبية والربط بين مختلف المعطيات للوصول إلى فهم جديد لجوانب تلك الثقافة، وأعني بذلك أن لا يكون جمع الموضوعات بهدف رسم صورة المجتمع في الماضي بقدر ما نحن بحاجة إلى دراسات أكثر عمقاً، فلا نكتفي برصد الظاهرة، لكننا نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وهذا يأتي عن طريق القراءة في ثقافات الشعوب بشكل عام، لأن الباحث في الثقافة الشعبية عليه أن يكون مطلعاً على الثقافات الأخرى، وأن يتفاعل معها بكافة أشكال مصادرها، وسيكون حينها قادراً على إيجاد ما تحتاج إليه الثقافة الشعبية في الإمارات من أبحاث جادة ورصينة».نبض حيوي الشاعر ناصر البكر الزعابي، يقول: «الثقافة الشعبية جزء لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية، ومما وصلنا من كتابات وموروث قديم يؤكد أن الثقافة كانت وما زالت النبض الحيوي الفعّال، لا شك أن الثقافة الشعبية عامرة بالكثير من الأشياء التي تعبّر عن حضارتنا وأصالتنا إضافة إلى عاداتنا وتقاليدنا، وطباعنا التي نجاهد للحفاظ عليها أمام موجات التغريب والتهجين، والعوامل والظواهر الدخيلة».

ويتابع: «لقد تم تقديم جانب كبير من ثقافتنا الشعبية عبر وسائل الإعلام والكتب الدراسية ودراسات الباحثين، وهناك جهود ملموسة في تطوير هذا الجانب، ولا شك في أن الجيل الصاعد هو الهدف من الاهتمام بالموروث والحفاظ عليه، وأتمنى أن تكون هناك مساحات أكبر لتقديم وتنوير الجميع بمدى أهمية جمع النتاج الثقافي الشعبي، وتعريف الأفراد بجوانبه المختلفة، والسعي إلى تبني المبادرات الهادفة، ونظراً لما توليه الإمارات من اهتمام ثقافي بالغ بالثقافة الشعبية، فقد صدرت العديد من الكتب التي وثّقت هذه الثقافة، وأقيمت المهرجانات والفعاليات والملتقيات، وشكلت رافداً حيوياً للمناهج الدراسية في السنوات الماضية، وهي خطوة بناءة سينعكس أثرها في المستقبل القريب، ومن واجبنا أن نسهم جميعاً في حفظ هذا التراث الأصيل الزاخر بالقيم والمبادئ».

ويثمن الزعابي جهود الباحثين في استكشاف أهم المعالم الشعبية حتى وقتنا الحاضر، لأن ثقافة الشعوب مرجع أساسي للنهج الحضاري الراقي؛ حيث يتفاخر الأفراد في مختلف دول العالم بثقافاتهم المحلية، ويستذكرونها بشكل متواصل وهادف. لقد حافظ الشعب الإماراتي على هويته الأصيلة، ومن يرصد العمارة والمتاحف والمعارض الفنية المتنوعة سيلاحظ هذا التمازج الجميل بين الأصالة والمعاصرة، ولا شك في أن الثقافة الشعبية الإماراتية تنهل من معين غزير.

تغذية المناهج

 القاصة والروائية فاطمة سلطان المزروعي، تقول: «مفهوم الثقافة الشعبية، واسع جداً، ويضم بين جنباته الكثير من التعريفات والجوانب الحياتية للمجتمع الإماراتي منذ القدم؛ ويعبر عن إنسان هذه الأرض في مختلف شئون الحياة من الاقتصاد إلى الشعر والحكايات والصناعة والسفر والترحال، والعادات والتقاليد والسياسة والتجارة وغيرها الكثير، وإن وضعنا هذا المصطلح– الثقافة الشعبية– في إطاره الصحيح وبما يحتويه من عناصر ومفاهيم، سندرك أن هناك قصوراً شديداً في تغذية مناهج التعليم بمفاهيم الحياة الشعبية وما كان عليه الآباء والأجداد، وإن وجدت إشارات أو معلومات تراثية تضمنتها بعض المواد الدراسية، إلا أنها تبقى غير كافية ولا توفي هذا الإرث العظيم حقه».

 وتوضح المزروعي، أن هذه مهمة لا تقع على عاتق المؤسسات التعليمية وحسب؛ بل هي مسؤولية الكثير من الجمعيات المهتمة بالتراث والتي وظيفتها الرئيسية صونه والتعريف به وجعله نابضاً في وجدان المجتمع وإقامة الفعاليات المختلفة للترويج له، وهذه المؤسسات التراثية هي من تقع عليها مسؤولية إخراج الكنوز الثقافية من عمق التراث الشعبي الإماراتي، وإن تم هذا الجانب واكتمل فإن إدخالها للمناهج التعليمية قد يكون أسهل، فالمعلومات تم توثيقها من جهات معتمدة موجودة، وما على صانع القرار في المؤسسة التعليمية إلا التقاط ما يهمه من هذا التراث وما يتناسب مع رسالته، أسوق مثالاً للمزيد من التوضيح، عندما يتم تعليم الطالبات والطلاب أهمية التبادل التجاري، وأثر الاتصال والتواصل، يمكن وضع شواهد عن رحلات الآباء والأجداد واتصالهم بالمجتمعات والأمم الأخرى.

طقوس شبه منقرضة

 الكاتب والروائي نبيل الحريبي الكثيري، يقول: «توجد الكثير من الجوانب في الثقافة الشعبية الإماراتية لم تدرس ولم يسلط الضوء عليها، وتعد الألعاب الشعبية، إحدى أبرز ركائز الموروث الثقافي لأي شعب، ومع التطورات السريعة في وتيرة الحياة والتقدم العلمي الطاغي تكاد أن تتلاشى معظم تلك الألعاب لضعف الاهتمام بها في مختلف النوادي والمراكز الثقافية التي تكرس اهتمامها في الغالب لأنشطة الكبار من تمثيل وغناء وموسيقى». 

ويعدد الكثيري، بعض نماذج تلك الألعاب، مثل «المسطاع» وتتكون هذه اللعبة من قطعة خشبية وعصا، وعلى الطفل الذي يحين دوره ضرب القطعة الخشبية بالعصا إلى أبعد مكان، وتقاس المسافات ليحدد الفائز، ولعبة «التيلة» و«الغميضة» ولعبة «الكرابي» وهي لعبة تقفز فيها البنات على رجل واحدة، بعد ربط علب فارغة بحبال تحت الأرجل لتمشي البنات بها وكأنهن يلبسن أحذية عالية، وهناك أيضاً لعبة «خبز رقاق»، و«خوصة بوصة» التي تمارس في مواسم معينة ولفترات وجيزة لا تتعدي الأيام أو الأسابيع الثلاثة على أكثر تقدير. ومن الموروث الشعبي الثقافي الذي يكاد ينقرض حفل ختم حفظ القرآن الكريم للأطفال؛ حيث كان الكثيرون في السابق يتفقون على يوم يطوف به من حفظ وختم القرآن في الفريج للإشهار والفرح به، ويرتدي في هذا اليوم المبارك الأطفال أجمل ثيابهم.

أساس قوي 

 الكاتبة والملحنة إيمان الهاشمي، تقول: «هناك ضرورة لغرس الثقافة الشعبية الإماراتية في نفوس أطفالنا منذ نعومة أظافرهم، بالتعاون بين المنزل ومراكز التعليم ولا بأس إن أضفنا الأماكن الترفيهية أيضاً، لئلا تُهمل نكهة ثقافتنا في جميع المجالات ولا تُقتصر على المناهج فتسجن بين الأوراق وتصبح مادة تدرس لا أكثر، فالأهم أن تُنحت في قلوبنا فنكون قدوة صالحة تراها الأجيال القادمة جيلاً بعد جيل وتعتنقها هي بدورها عن حب وشوق وفخر بجذورنا القوية». 

ونوهت الهاشمي إلى أن التمسك بالثقافة الشعبية لا يعني عدم التطور والتقدم ومواكبة العصر؛ بل العكس تماماً، لأن الأساس القوي يصنع مستقبلاً أقوى، فعندما يبدل الإنسان ملابسه القديمة بأخرى جديدة فإنه يغير الشكل أو المظهر الخارجي دون المساس بالجوهر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"