د. نورة المزروعي
ارتبط اسم الفيلسوف فيثاغورث (570 – 495 ق.م) بين اليونانيين بأحد أبرز الفلاسفة الذين برعوا في علم الرياضيات والموسيقى الكونية، وشاع عند الإغريق القدماء بأن فيثاغورس هو أول من سمع هرمونيا نغم السماء، وأول من فهم الموسيقى الكونية التي تتناغم مع حركة النجوم، رأى فيثاغورث أن كل شيء في الكون تحكمه نسبة، واعتقد بأنّ الأجسام خلقت بنسب رياضية وهي تصدر أصواتاً عند حركتها. فيثاغورس كان متعلقاً بموسيقى الأرض واعتقد بأن هناك موسيقى أسمى في عالم السماء. فكان يتساءل: هل الأجرام السماوية تصدر نوعاً من الأصوات الموسيقية أثناء دورانها؟ وما هي درجة الصوت من حيث الانخفاض والارتفاع؟ وهل أحجامها له تأثير في درجة الصوت؟ بعد تفكير مستمر استلهم تفسيراً عددياً للأنغام، وفسر التوافق الموسيقي بأنه يعود إلى وجود وسط رياضي بين نوعين من النغم، واستطاع أن يطبق نظريته في توافق الأصوات على الأجرام السماوية في السماء.
السؤال هنا: كيف استشف فيثاغورث أن الكواكب السابحة تصدر نغمات سماوية في مداراتها؟ يقال إنه الوحيد بين البشر الذي استطاع سماع موسيقى الأجرام السماوية وأكد في نظريته أن دوران الأجرام السماوية ينتج عنه موسيقى كونية. وسعى في نظريته إلى إثبات التناغم الفلكي للكون.
اشتهر فيثاغورث بمقولته بين تلاميذه «إن العالم نغم وعدد» وهو أول من أرجع حركة الأجرام السماوية إلى الوزن واللحن، تخيل الكون كله يمثل آلة أحادية الوتر عملاقة، ووترها موصول في الأعلى بالروح المطلقة في العالم الأسمى، وفي الأسفل بالمادة المطلقة، أي أن الوتر مربوط بين السماء والأرض. قسم فيثاغورث مبتدئاً من الأعلى الوتر الكوني إلى أربعة عشر قسماً، وسماه بالسماء العليا أو دائرة النجوم، بعدها تأتي الدوائر السبعة المنسوبة للكواكب وهي بالترتيب (زحل، المشتري، المريخ، الشمس، زهرة، عطارد، القمر) ثم تليها العناصر الأربعة وتمثل (النار والهواء والماء والتراب).
اعتقد فيثاغوث بأن كل الأجرام السماوية تولد نغمة خلال سفرها وسط الأثير الفضائي، وأن فكرة توليد كل جرم من الأجرام السماوية لنغمة خاصة خلال سفره حول الأرض هي من ابتكار إغريقي، فكانوا يقولون مثلا: كوكب زحل هو الأبعد مسافة، وبالتالي كان صوت نغمته الأكثر انخفاضا بينما كوكب القمر الذي هو أقرب إلى الأرض صوته الأقوى، أصبحت هذه هي النظرية لتخيل موسيقى السماء في العالم الإغريقي، واستمرت حوالي ألفي سنة إلا أن بعض الباحثين اعتقدوا بأن سماع فيثاغورث لصوت الكواكب نسبة إلى حجمها وسرعة دورانها هو اختلاق لا أساس له من الصحة.
في الواقع لا يمكن الجزم بنظرية فيثاغورث المتعلقة بالإيقاع الموسيقي الفلكي، فقد فقدت الكثير من الحقائق الفلسفية، أثناء نقل العلوم العريقة عبر الأجيال.