الهند.. دبلوماسية اللقاحات المجانية

00:15 صباحا
قراءة 4 دقائق

براهما تشيلاني *

لا تزال أجزاء كبيرة من العالم تعاني انتشار فيروس كورونا، حيث تتجدد قرارات الإغلاق في العديد من الأماكن. ومع تركيز كل دولة منكوبة على معالجة تبعات الوباء، لا يُبدي العالم القدر الكافي من الكرم في التبرع بكميات كبيرة من الأدوية أو اللقاحات عندما يرتفع الطلب عليها.

لهذا جذبت الهند اهتمام العالم عندما قدمت في الأيام الأخيرة ملايين الجرعات من اللقاح هدايا إلى دول الجوار المطلة على المحيط الهندي.

فقد تم نقل أكثر من 5 ملايين لقاح هندي الصنع، الأسبوع الماضي، إلى دول تمتد من ميانمار وبنغلادش، إلى موريشيوس وسيشيل. وهناك ملايين اللقاحات المجانية ستوزع لاحقاً.

من الواضح أن حجم هدايا الهند من اللقاحات لا مثيل له حتى لدى الصين، التي اتبعت دبلوماسية اللقاحات الخاصة بها في محاولة لإصلاح الأضرار التي لحقت بصورتها عالمياً، جراء تقارير تحدثت عن انتشار الفيروس القاتل من أراضيها. ونبهت الهدايا الهندية إلى قدرة الهند الكبيرة على إنتاج اللقاحات.

والمهم في لفتة الهند الإنسانية، هو أنها انطلقت بعد أربعة أيام فقط من بدء عمليات تلقيح مواطنيها، بدءاً من العاملين في مجال الرعاية الصحية. عند استلام الشحنة الأولى من اللقاحات الهندية، وصف رئيس وزراء مملكة بوتان الواقعة في جبال الهيمالايا، التحرك الهندي بأنه «إيثار» تعكسه مشاركة السلع الثمينة حتى قبل تلبية احتياجات الهند الخاصة. وتستهدف شحنات اللقاحات الخارجية في خطة الهند الطموحة، تلقيح 1.3 مليار نسمة في واحدة من أكبر حملات التطعيم في العالم.

غير أن دبلوماسية الهند القائمة على اللقاحات كانت مدفوعة بأكثر من مجرد الإيثار. هناك اعتبارات جيوسياسية تلعب دورها، بما في ذلك بناء النوايا الحسنة، والتأثير، ومواجهة البصمة الاستراتيجية المتنامية للصين في منطقة المحيط الهندي. ويبدو أيضاً أن توفير لقاحات مجانية لمكافحة الوباء، هو خيار أفضل لنيودلهي من تقديم المساعدة المباشرة في مجالات أخرى.

تتمثل إحدى نقاط القوة في الهند في أنها توفر أكثر من 60% من اللقاحات العالمية ضد الأمراض المختلفة. والآن، تستفيد من هذا الثقل التصنيعي من خلال الشروع في ما وصف بأنه دبلوماسية إنسانية، لتوفير اللقاحات المجانية للبلدان الواقعة في جوارها.

وتسهم الهند في توريد أكثر من مليار لقاح ضد فيروس كورونا إلى مختلف البلدان، من خلال مبادرة «كوفاكس» التي تدعمها منظمة الصحة العالمية وتستهدف البلدان الفقيرة. وتصنع الهند حالياً لقاحين: الأول لقاح «أسترا زينيكا» والثاني «كوفاكسين» الذي طورته شركة «بهارات بيوتيك»، كما أن هناك ثلاث شركات هندية على وشك الإعلان عن لقاحات جديدة.

علاوة على ذلك، أعطى تراجع أعداد المصابين في الهند، الحكومة المركزية فرصة أكبر لتعزيز دبلوماسية اللقاحات. فقد انخفضت الحالات الجديدة على أساس يومي بشكل كبير منذ الخريف الماضي، علماً بأن الهند كانت في المرتبة الثانية من حيث عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

وفد تسبب تسليط الأضواء عالمياً على عروض اللقاحات التنافسية للولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين، في حجب دور الهند. فمنذ أن بدأ الوباء، تبرعت الهند بهدوء أو صدّرت تجارياً عناصر مهمة واجهت ارتفاعاً كبيراً في الطلب، مثل مجموعات اختبار كوفيد  19، ومعدات الحماية الشخصية والأدوية. 

وشحنت الهند، المورِّد العالمي الرائد للأدوية ذات الصلة، 50 مليون قرص من هيدروكسي كلوروكين إلى الولايات المتحدة في الربيع الماضي بناء على طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وفي الوقت الذي تستغل فيه الصين نفوذها الصيدلاني لأغراض تجارية، فقد أعلنت حتى الآن عن تبرعات لقاحات متواضعة.

في ظل هذه الخلفية، هل ستدعم دبلوماسية اللقاحات الهندية بشكل ملموس مصالح سياستها الخارجية؟ مع استمرار وجود أكثر من 100 ألف جندي هندي وصيني جاهزين للحرب في مواجهة عسكرية في جبال الهيمالايا استمرت لأشهر، تشعر الهند بشكل متزايد بأنها محاصرة بسبب النفوذ الصيني المتزايد في جوارها.

ومع بسط الصين نفوذها في عمق الفناء الخلفي للهند، فإن نيودلهي تقف عاجزة عن لجم هذه التحركات وبسط نفوذها الإقليمي الآخذ في التآكل، من خلال تبرعاتها الكبيرة من اللقاحات. ولا شك في أن الهند بحاجة إلى أن تفعل الكثير على أساس مستدام، وهذا يتطلب أن تتخلى عن مخاوفها وتتخذ الإجراءات الدبلوماسية الاستباقية.

وينتظر أن يكون دور الصناعة الهندية محورياً في مواجهة الوباء؛ لأن الهند هي الدولة الوحيدة التي تمتلك البنية التحتية الواسعة في الوقت الحالي لتلبية الطلب العالمي على اللقاحات. ومع ذلك، فإن الأضرار الجسيمة والوفيات التي تسبب بها الحريق الكبير الذي وقع الأسبوع الماضي في معهد العلوم الطبية، كان بمثابة تذكير بأنه في الوقت الذي تعتمد فيه العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، على الإنتاج الهندي من اللقاحات، فإن الأحداث غير المتوقعة يمكن أن تعطل الإمدادات.

* مؤلف كتاب «ميدان المعركة» الفائز بجائزة برنارد شوارتز. (جابان تايمز)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

مؤلف كتاب «ميدان المعركة» الفائز بجائزة برنارد شوارتز

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"