عادي

مكافحة الفقر.. «انتصار» النموذج الصيني

00:57 صباحا
قراءة 7 دقائق
امرأة مسنة في أحد شوارع بكين (أ.ف.ب)
امرأة مسنة في أحد شوارع بكين (أ.ف.ب)

باتت قريته ترتبط الآن ببقية أنحاء الصين من خلال «طريق الحد من الفقر»، وفي حقله حيث تنمو أشجار البرتقال يعرض ليو تشينغيو بطاقة توضح فيها الدولة بالتفصيل كيف انتشلت المزارع وعائلته من الفقر. في الموعد المحدد بنهاية العام الماضي، قضى نظام الرئيس شي جين بينج رسميا على «الفقر المدقع» في الصين. ومنذ وصوله الى السلطة في 2012، تم انتشال مئة مليون شخص من سكان الأرياف من هذه الفئة وهو ما يشكل «انتصارا عظيما» بحسب قول الرئيس الصيني.

الصورة
صورة للرئيس شي في مزرعة البرتقال التابعة لتشينغيو (أ.ف.ب)

لكن قادة صينيين آنذاك قالوا إن النمو الاقتصادي الهائل الذي أدى الى تغيير البلاد منذ 40 عاما لا يكفي لإخراج الجميع من الفقر.
إذا كانت المناطق الساحلية المنفتحة على التجارة الدولية قد دخلت سريعا طور الحداثة، فان الأرياف في الداخل فاتها في معظم الأحيان قطار النمو.
في ينفينغ باقليم هونان (وسط) حيث يقيم تشينغيو (66 عاما) تقع أقرب مدينة على بعد أكثر من ساعتين من هناك، وتبدو منازل الفلاحين الصغيرة في تناقض صارخ مع ناطحات السحاب الشاهقة في شنغهاي أو بكين.
في بطاقة المزارع يمكن قراءة أسباب الصعوبات: «المرض» و«التعليم». وبعد ذلك يتم تفصيل المساعدة التي قدمتها السلطات مثل «دعم لشراء الحبوب» و«مساعدة لاستبدال أشجار البرتقال التي لا تدر كثيرا من المال».
دخلت عائلة المزارع رسميا في فئة «الفقر» عام 2014، عندما تم وضع سياسة المساعدة المحددة الهدف وحين توجه موظفون رسميون الى كل منزل لتقييم أوضاع الأسر.
في الوقت نفسه، تم تنفيذ أعمال كبرى في الأرياف من شمال البلاد الى جنوبها. وبالتالي شيد طريق يمر عبر تلال هونان الخضراء ويتيح لليو تشينغيو نقل برتقاله الى أسواق المنطقة في فترة تقل بمعدل نصف الوقت مقارنة مع السابق.

كساد في البيع

الصورة
المزارع ليو تشينغيو (أ.ف.ب)

عام 2018، باتت عائلة ليو رسميا تعيش فوق مستوى الفقر المحدد عند 2,30 دولارا في اليوم، في بلد بلغ فيه متوسط الدخل 6,8 دولارا في 2019 في الأرياف (سكان المدن يكسبون ما معدله 2,64 يوان حين يكسب سكان الأرياف يوان يتيم).
لكن عائلة ليو المؤلفة من خمسة أفراد لا تزال بعيدة عن الأمان الاقتصادي، كما يتبين من عشرات الصناديق المليئة بالبرتقال غير المباع المتكدس أمام منزله.
أصرت السلطات المحلية على استبدال الأشجار القديمة في بستانه وتحويل جزء من المنطقة إلى نباتات الشاي، وهو إنتاج أكثر ربحية. لكن هذه المزروعات لا تزال بعيدة عن تحقيق ربحية كاملة ورقم الأعمال لاستغلالها تراجع.
وقال المزارع «قبل قطع الأشجار كنا نكسب ما بين 20 ألف و30 ألف يوان (2600 الى 3800 يورو) سنويا» لكن عائداته باتت الآن بضعة آلاف من اليوان فقط.
وأضاف «نحن نتدبر أمورنا» لكن المنزل الخشبي حيث يعيش ليو بتواضع، لا يقيه البرد في حين تصل درجات الحرارة ليلا في أيام الشتاء الى ما دون الصفر.
يرغب هذا الرجل الستيني في الحصول على ما حصل عليه بعض جيرانه: إعادة الإسكان أو المال لبناء منزل من الطوب. ويتساءل «لماذا لا يحق لنا بذلك».
أثارت محاربة الفقر تساؤلات حول معايير الاختيار المتبعة لتوزيع الإعانات، ناهيك عن اتهامات بالمحسوبية.
في جميع أنحاء البلاد، ربطت مئات آلاف قضايا الفساد بهذا المشروع.

مسألة شرعية

 مع اقتراب الموعد النهائي المحدد بنهاية عام 2020 فيما سيحتفل الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه في 2021، كثف النظام مبادراته لتحديد الأسر المحتاجة وتوزيع الإعانات وإنجاز المشاريع الرئيسية.
وعلى المحك، شرعية دولة تأسست على أساس المساواة الاشتراكية ولكنها تحمل الرقم القياسي العالمي لعدد المليارديرات وثرواتهم المقدرة بالدولار.
لم يكن التفاوت الاجتماعي يثير جدلا في العقود الأولى من وجود الصين الشيوعية حين كان جميع السكان يعيشون في قلة ضمن نظام جماعي.
لكن الإصلاحات الاقتصادية شهدت ظهور ثروات كبرى، واعتبر الزعيم آنذاك دنغ شياو بينغ في 1984 أنه «من الطبيعي» أن يصبح البعض أكثر ثراء من الآخرين.
لتصحيح الوضع سعت السلطات إلى تطوير التحضر بالقوة في المناطق الريفية ونقل إقامة قرويين الى أبراج حيث لديهم كهرباء ومياه جارية لكنهم فقدوا اتجاهاتهم وأحيانا مصدر رزقهم.

منزل جديد

الصورة
انتصار كبير على الفقر المدقع في الصين (أ.ف.ب)

 في هونان مسقط رأس مؤسس النظام ماو تسي تونغ، أدى نقص الأموال إلى إبطاء تشييد الطريق البالغ طوله 63 كلم المؤدي إلى قرية عائلة ليو. لم تكتمل الأعمال إلا بعد عرض تقرير على التلفزيون الوطني تسبب بضغط على السلطات المحلية.
تقول شيانغ شيولي وهي مزارعة تبلغ من العمر 53 عاما إن حجم مبيعاتها تضاعف منذ أن أصبح النقل أسهل وأنه أصبح بإمكانها بيع البرتقال بسهولة أكبر في المدينة. تضيف «بات بإمكان أولادنا أن يرتادوا مدارس أفضل الآن».
ولمساعدة أهاليهم، يحرم عدد من الأطفال وخصوصا البنات تقليديا من التعليم في الصين للعمل في الأرض.
وكثيرون منهم تركوا في القرية لرعاية أجدادهم بعدما غادر أهاليهم للعمل في المدينة في هذا البلد الذي يعد حوالى 290 مليون عامل مهاجر داخليا.
في هونان، تؤكد الأرقام الرسمية أن دخل الفرد في الأسر الفقيرة تضاعف خمس مرات في خمس سنوات ليصل إلى 12200 يوان (1500 يورو).
على سبيل المثال يستعد مي جياشي وهو مزارع برتقال يبلغ من العمر 71 عاما تعتني زوجته بأحفاده في قرية أخرى للانتقال إلى منزل جديد أكبر اشتراه بنفسه بمساعدة أولاده.
يقول «تمكنت من كسب 30 ألف الى 40 ألف يوان» (3800 الى 5100 يورو) في السنة مضيفا «الأمور على ما يرام الآن».

 عودة الى الوراء؟

يبقى السؤال هو معرفة ما اذا كان استئصال الفقر دائما.
مع الارتفاع العام في مستويات المعيشة، يرتفع خط الفقر أيضا وقد يجد سكان مدن حسابيا أنفسهم تحته، كما يحذر مارتن رايزر مدير البنك الدولي في الصين.
وفيما أثر وباء كوفيد-19 بشدة على دخل الأكثر فقرا، تقر بكين بانه هناك مخاطر في العودة الى الوراء، لكن بدون الحديث عن تهديد ببطالة او أمراض.
قال مسؤول جهاز مكافحة الفقر او تشنغبينغ إن المستفيدين من الإعانات لم يتبق لديهم إمكانات لزيادة دخلهم أكثر في كانون الأول/ديسمبر. وأضاف «حين تعلق سياسة مكافحة الفقر، يواجهون مخاطر التراجع مجددا».
في سنة 2020 وحدها خصصت الحكومة المركزية 146,1 مليار يوان (18,7 مليار يورو) لمكافحة الفقر. لكن هذا الرقم ليس سوى جزء من مبالغ إجمالية رصدتها المناطق والاقاليم.
ولتمويل هذه الاستثمارات اضطرت المجموعات المحلية الى الاستدانة وباتت الفاتورة عالية: 800 مليار يورو على الأقل لتسديدها على مدى خمس سنوات.


مكافحة الفقر بأي ثمن

تمكنت الصين رسميا السنة الماضية من القضاء على الفقر المدقع، في «انتصار كبير» للرئيس شي جين بينج. وكان من المفترض أن تحقق الهدف الذي حددته في العام 2015 بأي ثمن قبل العام 2021، السنة التي يحتفل فيها الحزب الشيوعي الصيني بالذكرى المئوية لتأسيسه.

من هم الفقراء؟

يحدد خط الفقر بأنه دخل يقل عن 2,30 دولار (1,9 يورو) يوميا للفرد، أي أعلى بقليل من الحد الأدنى المحدد من قبل البنك الدولي (1,90 دولار). لكن هذا التحديد لا يستند فقط الى الدخل.
في جميع أنحاء البلاد، قام مسؤولون حكوميون بزيارة المنازل لتقييم الوضع الاجتماعي للسكان بحسب معايير مختلفة: الوضع الصحي او وضع المسكن، والتغطية الصحية وتعليم الأطفال وغيرها.
تم شطب عائلات تملك سيارة أو جرارا من لائحة الأسر الفقيرة.

نتائج تؤكد الصين أنها انتشلت 800 مليون شخص من الفقر منذ إطلاق إصلاحاتها الاقتصادية في أواخر السبعينيات. وهكذا تراجع معدل الفقر المطلق من 88,3% من السكان في 1981 الى 0,3% في 2018.
عمليا كل الأطفال باتوا الآن يكملون تعليمهم الإلزامي (15 عاما) بدون ان يضطروا للعمل لمساعدة أهلهم. كما تراجع معدل وفيات الرضع في العشرين عاما الماضية بحسب يونيسيف في حين أن معدل اقتناء سيارة ارتفع بشكل كبير ليصل الى 20% من السكان. وقال مارتن رايزر مدير البنك الدولي في الصين، «بالنسبة للغالبية العظمى من الصينيين، تحسن مستوى الحياة بشكل كبير في غضون جيل كامل».

مصداقية؟ 

غالبا ما تكون الإحصاءات الصينية موضع تساؤل وهي تكشف جانبا واحدا فقط من الواقع.
في هذا الإطار، تم ربط مئات آلاف قضايا الفساد بمكافحة الفقر. ولم يتردد مسؤولون محليون في ضم أسرهم أو أصدقائهم إلى فئة «الفقراء» من أجل اختلاس الأموال.
يعتبر الحد الأدنى الرسمي البالغ 2,30 دولارا في اليوم متدنيا مقارنة مع الحد الذي يوصي به البنك الدولي للبلدان المتوسطة الدخل مثل الصين والبالغ 5,50 دولارا.
إذا تم اتباع هذا المعيار، فإن ما يقرب من ربع سكان الصين يعيشون في الفقر بحسب رايزر.

هل هو دائم؟

تؤكد تيري سيكولار الخبيرة الاقتصادية المتخصصة بشؤون الصين في جامعة ويسترن أونتاريو في كندا، أن الأموال المخصصة لمكافحة الفقر «على الرغم من كونها كبيرة من حيث القيمة المطلقة، لا تشكل سوى جزء صغير من عائدات الدولة».
وتحدثت سيكولار عن نسبة 1% من إجمالي العائدات في عام 2015.
واذا كان النمو الاقتصادي الهائل في الصين ساهم الى حد كبير في خفض الفقر في العقود الماضية، فان تباطؤه في المقابل سيرغم السلطات على التفكير في حلول لدعم مستوى معيشة الاشخاص المتأثرين بذلك.
مع ذلك، في العديد من المناطق، تجد المجتمعات المحلية التي قدمت مساهمة كبيرة في مكافحة الفقر، نفسها بمواجهة موارد مالية محدودة وديون فادحة، بعد أن استثمرت في بعض الأحيان في مشاريع بنية تحتية ضخمة.
وقال رايزر «في المستقبل، قد يعني الحد من الضعف الاقتصادي (للأكثر فقرا) زيادة التركيز على التدريب ومساعدة الناس على الانتقال إلى وظائف أكثر إنتاجية في المدن». (أ.ف.ب)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"