أحجية النفايات الغذائية

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

عندما نقرأ في تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن 900 مليون طن من الطعام تُرمى في النفايات عبر العالم سنوياً، لا يمكن إلا أن نسأل: هل اختفى الجوع من العالم؟ 

وقبل أن نبحث عن الإجابة، ربما يشعر البعض منا بفرح ما، فهذه الأطنان أقل من الأعوام السابقة بسبب «كورونا»، فنتيجة للأوضاع الاقتصادية والبقاء في المنزل، تراجعت كمية الطعام المهدرة، أما البعض الآخر، وخاصة من عشاق لعبة الأرقام، فربما حلق بخياله مع تعليق «بي بي سي» على التقرير، ف900 مليون طن من الأغذية يمكنها أن تملأ 23 مليون شاحنة، تحمل كل منها 40 طناً، ولو اصطفت طولاً لأحاطت بالأرض سبع مرات.

لنترك التفاؤل بتراجع كمية الطعام المهدر بسبب الجائحة مؤقتاً، ونتأمل ما يخبرنا به التقرير، فهذه الكمية من النفايات الغذائية لا تقتصر على البلدان الغنية فحسب؛ ولكنها تتعلق بنفايات العالم بأكمله، هنا لن تنفعنا الأرقام، ففارق كبير بين مخلفات الطعام بين العالمين المتقدم الثري والمتخلف الفقير، وهو ما يحتاج إلى تحليل اجتماعي لثقافة الطعام. لقد كان تناول الطعام دوماً  ذلك الفعل الإنساني البسيط الذي ربما لا يتوقف كثيرون أمامه طويلاً  أحد أهم العوامل التي ميزت حضارة عن أخرى، وارتبط بسياسات ورؤى اقتصادية واكتشافات علمية وتقنية؛ بل اعتبرت طريقة الأكل ونوعيته وطقوسه، علامة حاسمة على التمييز بين مختلف الثقافات، وهي عوامل تجعلنا بحاجة إلى تحليل أكثر دقة لحجم هذه النفايات.

ونعود إلى السؤال مرة أخرى: هل اختفى الجوع؟ يجب علينا ألا نذهب بعيداً، ففي إحدى إحصائيات عام 2004، كان الجوع بأشكاله المختلفة: القحط والجفاف وسوء التغذية، يتسبب في وفاة 36 مليون إنسان كل عام، أما المجاعات القاسية فلا تعود إلى التاريخ القديم، كما يظن البعض، حيث شهد القرن العشرون المجاعة الكبرى في أوكرانيا في عامي 1932 و1933، والمجاعة الصينية بين عامي 1958 و1961، وهناك عدة مجاعات حدثت بصفة دورية في إفريقيا جنوب الصحراء، ولا تزال الأمم المتحدة تحذر من مجاعات قادمة تتعرض لها أماكن التوتر والنزاعات، وهناك الملايين من البشر الذين يعيشون يومياً، مأساة «الجوع الخفي»، وهو عدم الحصول على طعام صحي ومتكامل.

الجوع يميز بين عالمين: الأول عالم متخم بالغذاء إلى درجة أن افتتح البعض مطاعم لتناول الحشرات، الأقل ضرراً بالبيئة  من الطعام التقليدي، ولم يتوقف الأمر عند هذا؛ بل هناك عدة كتب تروج لهذا التوجه وتعتبره مستقبل غذاء الإنسان.

أما العالم الآخر فتمنحه كتب التاريخ مزيداً من الألم، فقد أكل البشر خلال المجاعات الكبرى ما لا يمكن تصوره. 

إن ما يربط بين العالمين من الخارج يتمثل في تناول أنواع متشابهة من الطعام، ولكن الفارق بين الحالتين كبير، ولا وجه للمقارنة بينهما، وهو ما يؤكد  في النهاية  أن علينا أن نفكر مئة مرة في أحجية ذلك الرقم الضخم عن النفايات الغذائية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"