عادي
سلوك غير مسؤول وتجاوز يعاقب عليه القانون

تنمر أولياء الأمور على المعلمين «تهكم» يهين منظومة التعليم

23:13 مساء
قراءة 6 دقائق

تحقيق: محمد إبراهيم
لا شك أن تنمر بعض أولياء الأمور على المعلمين، يعد سلوكاً مرفوضاً وغير مسؤول، ويعده البعض «تهكماً» يهين منظومة العلم، إذ إن «هيبة المعلم» تشكل أحد أهم مقومات منظومة التربية وتعليم الأجيال، والمساس بها يعد اعتداءً صارخاً على منابر العلم بكامل فئاتها وعناصرها.

تفاعل عدد كبير من التربويين والكوادر المختلفة في الميدان، مع واقعة الاعتداء اللفظي وإهانة ولية أمر، لأحد المعلمين أثناء أداء عمله في إحدى الحصص الدراسية (عن بعد)، أمام طلابه وأبنائه، معتبرين أن ضياع «هيبة المعلم»، باتت إشكالية ملموسة في المجتمع المدرسي، بسبب تدخلات بعض أولياء الأمور وتهكمهم على المعلمين بطريقة غير لائقة، مطالبين بضرورة تغليظ عقوبات أولياء الأمور غير الملتزمين.

وعبر عدد من المعلمين والمعلمات عن استيائهم لما تضمنته تفاصيل الواقعة، مؤكدين رفضهم لأي سلوكيات، تحط من شأن المعلم، أو تتسبب في إهانته، لاسيما أنه يشكل عنصراً أساسياً في منظومة التعليم، ورسالته مقدسة وينبغي احترامها وتقديرها من الجميع، معتبرين تلك السلوكيات تجاوزات تصل إلى حد التجريم، وتدعو إلى تدخل القانون، مطالبين بضرورة التزام ولي الأمر بحدود التدخل المسموح له في العملية التعليمية.

ويرى عدد من مديري المدارس، أن تدخلات بعض أولياء الأمور في العملية التعليمية، بات أمراً مبالغاً فيه، إذ يؤثر سلباً في أداء المعلم، وينمي لدى أبنائهم سلوكيات غير لائقة، تؤثر في تكوين شخصياتهم وأخلاقياتهم مستقبلاً، وجميعها مرفوضة جملة وتفصيلاً في مجتمع العلم، فيما يرى المختصون في القانون، أن تلك السلوكيات تجاوزات تقود صاحبها إلى المسألة القانونية.

«الخليج» تركز من خلال المناقشات على التداعيات والأسباب، وراء تلك التجاوزات، وأثارها في العملية التعليمية، والمعلمين والطلبة، وإلى أي مدى يعانيها القطاع المدرسي، وكيفية مواجهتها وكيف يتعاطى معها القانون؟ سبل العلاج وإعادة تقويم سلوكيات بعض أولياء الأمور.

من الميدان

البداية كانت مع روايات واقعية، رصدتها «الخليج» من الميدان التربوي في الآونة الأخيرة، وكان أحدثها ما جاء في شكوى معلم يعمل في إحدى المدارس الحكومية في الإمارات الشمالية، حيث اتهم ولية أمر، بإهانته والانتقاص من كرامته أمام طلابه في المدرسة وأبنائه في المنزل، وتنمرت عليه وقذفته بسيل من الاتهامات بالكذب والتشهير، والادعاء بأشياء وأفعال لم تحدث، بصوت مرتفع له وبصوت مرتفع جداً أثار فزع من حضر المشهد «المعلم وأبناؤه وأسرته والطلبة في الحصة».

وفي واقعة أخرى بإحدى المدارس الخاصة، تنمر ولي أمر «لفظياً» على موظفة بالهيئة الإدارية في المدرسة، عندما رفضت ردّ رسوم تسجيل أبنائه وفقاً للقانون، لتقف مكتوفة الأيدي، لا حول لها ولا قوة، أمام سيل الألفاظ غير اللائقة وأسلوبه التهجمي المتنمر، وهذا طبعاً لأن «الزبون دائماً على حق».

تعدد المواقف

في محاولة للوقوف على مدى تكرار تلك المواقف في المجتمع المدرسي، تواصلنا مع عدد من المعلمين والمعلمات، إذ أكد كل من «سهام عبد الله، إبراهيم قنديل، ريبال غسان العطا، منى بكري، محمد بدواوي»، أن تدخلات أولياء الأمور موجودة فعلياً، ولكن تتفاوت تجاوزاتهم بين شريحة وأخرى، فلا نستطيع أن نعمم السلوكيات السلبية على مجتمع أولياء الأمور، إذ إن هنا من يدرك قيمة المعلم وأهمية دوره واحترام وتقدير جهوده. وأضافوا أن هناك شريحة من أولياء الأمور يتعاملون مع المعلم على أنه عامل لديهم، وعليه أن يطيع توجيهاتهم، وعدم المساس من قريب أو بعيد بأبنائهم سواء كانوا على حق أو باطل، مؤكدين أن هناك فعلا تجاوزات سلوكية مرفوضة تهين المعلمين في عقر دارهم، وقد يكون الأمر أكثر شيوعاً في المدارس الخاصة مقارنة بالمدارس الحكومية التي وجدت لنفسها إجراءات رادعه لمواجهة أي تجاوز من أولياء الأمور.

نوعية التجاوزات

وفي شرحهم لنوعية التجاوزات وطرائق التنمر، أفادوا بأنها تتبلور في توجيه المعلم عن طرائق تدريسية تستهوي ولي الأمر ولا علاقة لها بالعملية التعليمية، وكذا التنبيه على المعلمين والمعلمات بعدم تعنيف الطالب أو عقابه عند الخطأ، والتجاوز عن سلوكياته المرفوضة، فضلاً عن الاعتراض المستمر على كل أمر يجعل الطالب يشكو لوالديه، بالإضافة إلى الاتهامات والادعاءات التي لا تنتهي بوصف المعلم يهتم بطالب ولا يراعي آخر، وجميعها هجمات يتلقاها مجتمع المعلمين يومياً ولكن إيمانه برسالته تمنحه قوة التماسك ومواصلة المسيرة.

عدم المساس

وفي وقفة مع عدد من مديري المدارس، أكد كل من «خالد عبد الحميد، وليد فؤاد لافي، وخلود فهمي، وحميدان ماضي وريهام فاروق، وصالح فاضل»، أهمية عدم المساس ب«هيبة المعلم» التي تشكل مقوماً أساسياً لمنظومة التربية وتعليم الأجيال، لذا ينبغي أن يلتزم الجميع بالمبادئ الأخلاقية، واحترام المعلم وتمكينه، وتعزيز مكانته في مجتمعات العلم، ومن يخرج عن النص يعد تجاوزاً يستحق العقاب والتقويم.

وأكدوا أن السبب الرئيسي في وجود تلك السلوكيات يعود إلى المقومات الأسرية وأساليب التربية، موضحين أن أي سلوك يصدر عن الوالدين ينعكس بالضرورة على الأبناء، وهنا زمام الأمور وتربية النشء وتقويم الأبناء في أيدى أولياء الأمور، وينبغي الانتباه إلى سلوكياتهم وتصرفاتهم لاسيما التي تتعلق بتربية وتعليم الأبناء، ليتمكنوا من غرس القيم والأخلاق الحميدة والاحترام وتقدير المعلم في نفوس أبنائهم، نظراً لدوره الذي يقوم به في بناء أجيال المستقبل.

صلاحيات المعلم

في محطة جديدة، التقينا أولياء الأمور، محمد عصام، وميثاء علي، فؤاد حسين، ومهرة حمد، إذ أكدوا رفضهم تلك السلوكيات جملة وتفصيلاً، لاسيما أنها لا تليق بقداسة العلم، ومكانة ورسالة المعلم التي تركز على بناء أجيال المستقبل، موضحين أن اللوائح سلبت الكثير من صلاحيات المعلم، وأسهمت في ضياع هيبته، وأفقدته الوقار والمكانة، فضلاً عن اختلال دور الأسرة في تقويم الأبناء، وإغفال بعض إدارات المدارس سبل حماية المعلم والمحافظة على هيبته، فضلاً عن غض الطرف عن الكثير من السلوكيات المرفوضة والتجاوزات غير المسؤولة من بعض أولياء الأمور، للمحافظة عليهم كزبائن في المدرسة، وعدم سحب أبنائهم أو انتقالهم لمدارس أخرى.

وأكدوا ضرورة إيجاد حلول ناجعة، للتصدي لسلوكيات بعض الأهالي، وتنمرهم على المعلمين، معتبرين أن هيبة المعلم أحد مقومات العملية التعليمية، موضحين أن المعلم لا يعمل عند أحد، كما يعتقد البعض خطأ، بل يجب على المجتمع بكامل قوامه احترام المعلم وتقدير دوره وتعزيز مكانته وتمكينه من أداء رسالته وتكريمه وليس توبيخه.

أساليب مستفزة

في المقابل، كان لعدد آخر من أولياء الأمور «فضلوا عدم ذكر أسمائهم» رأياً آخر، حيث أكدوا أن هناك بعض المعلمين يتبعون أساليب مستفزة عند التعامل مع أولياء الأمور، والبعض منهم يتعالى على ولي الأمر ولا يمنحه فرصة الاقتراح، موضحين أن هناك معلمين ومعلمات يفضلون طالباً على آخر، الأمر الذي يخلق مشاحنات دائماً بين الطلبة، تؤثر بلا شك في مستوياتهم العلمية، ولكن بعيداً عن تلك الانتقادات، أجمعت آراؤهم على رفض أي سلوك يهين المعلم، ويقلل من قدره ومكانته، مؤيدين جميع الإجراءات التي تحافظ عليه وتعزز دوره في المجتمع، وتتصدى لكل أساليب التنمر التي تستهدفه.

يعاقب عليها القانون

في وقفة مع المختصين بالقانون، أكدت المحامية مها الجسمي، أن التنمر سلوك مرفوض بكافة أشكاله، ولا يجوز تواجده في مجتمع التعليم، الذي يعرف بقداسة رسالته، ومن غير اللائق أن تحول مشاحنات أو خلافات الطلبة مع المعلمين أو أولياء الأمور مع المعلمين والتربويين إلى مراكز الشرطة وساحات القضاء، لذا على الجميع إدراك دوره وواجباته جيداً، والعمل في نطاق اختصاصه من دون التجاوز أو التنمر على الغير، علماً أن المعلم في النهاية صاحب رسالة يعمل على ايصالها من خلال المؤسسة التعليمية التي يعمل بها ولا يجوز أن يعامله ولي الأمر بأنه عامل لديه.

وأكدت أن هناك مواد قانونية تعالج جميع جرائم «التنمر» بأنواعها، ولكن الإشكالية الحقيقية تكمن في الحاجة الماسة لفهم القوانين بدقة، والتعامل معها بمسؤولية، ووعي وثقافة، إذ إن هناك فئات ترتكب جرائم، ولا تعي أساساً أنها جريمة يعاقب عليها القانون، فكم من مواقف بسيطة حدثت واكتشف أصحابها بعد ارتكابها أنهم في مواجهة مع عقوبات القانون، موضحة أن التنمر ناتج عن ثقافات دخيلة، أفرزها الانفتاح اللامحدود على العالم، لذا ينبغي مواجهته على كافة الأصعدة «قانونياً واجتماعياً ونفسياً وتوعوياً».

ثلاثة أسباب

رصد تربويون ومعلمون ثلاثة أسباب لوجود تجاوزات أولياء الأمور، أبرزها ضعف بعض الإدارات المدرسية التي تقدم ولي الأمر على المعلم، ونادراً ما تتخذ موقفاً يساند معلميها ويرفع عنهم الإهانة، فضلاً عن النظرة الدونية من قبل ولي الأمر للمعلم على اعتبار أنه يعمل لديه وليس لدى مؤسسة تعليمية، وأخيراً تحاشى المعلم الآن توجيه اللوم لولي الأمر، لتجنب شكواه وادعاءاته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"