عادي

98 % من تاريخ الإنسان أسطوري

23:12 مساء
قراءة 4 دقائق
2003

الشارقة: يوسف أبولوز

قبل أن يبدأ خزعل الماجدي «كركوك 1951» أسفاره البحثية في الميثولوجيات والأديان القديمة وتاريخ الحضارات في منتصف تسعينات القرن العشرين، كان في عام 1980 قد أصدر مجموعته الشعرية الأولى «يقظة دلمون» في بغداد، وبكلمة ثانية، كان الشغف بالبحث في تاريخ الحضارات متأصّلاً في التكوين الثقافي لهذا الشاعر قبل أن يجد نفسه في بحر واسع من الدراسات والمراجع والخرائط والمخطوطات التي تحمل أيضاً في غموضها وفك ألغازها وطلاسمها شيئاً من صفات الشعر.

تحيل مجموعته «يقظة دلمون» في قراءتها إلى حضارة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية وإلى البحرين بشكل خاص، أي بكلمة ثانية، الشاعر في خزعل الماجدي سبق الباحث، أو الأصح أن الشاعر التقى بالباحث ضمن «سردية» بحثية طويلة لخزعل الماجدي بدأها في عام 1995 بِ«حكايات سومرية» وصدرت في بغداد، وفي أثناء إقامة قصيرة له في الأردن، أنجز «ميثولوجيا الأردن القديم» في عام 1997، ومنذ ذلك الوقت وإلى اليوم غرق الماجدي في تاريخ الحضارات والأديان والميثولوجيات السومرية، والمندائية، والبابلية، والكنعانية، والمصرية، والآرامية، ولم يترك في سفره هذا الذي يشبه سفر عوليس في البحر المعتقدات الأمورية، والإغريقية.

«ماكينة» بحث هذا هو خزعل الماجدي، كما لو أنه منذ «يقظة دلمون» الذي أصدره قبل 41 عاماً يبحث عن الشاعر في أدغال ولفائف ومخطوطات هذه الميثولوجيات الساحرة، والتي اعتمد عليها الكثير من الشعراء في تأسيس شعرية قائمة على الأسطورة والمعتقد السحري والميثولوجي.

حقيقة علمية

يحضر كل ذلك من إشارات حول طبيعة خزعل الماجدي الشعرية والبحثية، ونحن نقرأ واحداً من أسفاره الميثولوجية.. «حضارات ما قبل التاريخ»، وهو في هذا الكتاب المدعوم بالكثير من الصور والإشارات والرموز ينطلق من حقيقة علمية وليست فرضية مفادها، كما يقول: إن تاريخ الإنسان ينقسم إلى مرحلتين أساسيتين؛ هما مرحلة ما قبل التاريخ التي تشغل 98% من تاريخ الإنسان، ومرحلة العصور التاريخية التي تشغل 2% من تاريخ الإنسان.

بكلمة ثانية، كل تاريخ الإنسان وراءه، وأن 98% من تاريخ الإنسان هو ميثولوجي، أسطوري، ولكن هناك حقائق علمية وتاريخية لا التباس فيها إلى جانب الميثولوجيا والأسطورة، في بداية بحثه الطويل في علم ما قبل التاريخ يعرّف أولاً هذا العلم «هو العلم الذي يبحث في عصور ما قبل التاريخ التي تبدأ بظهور جنس الإنسان للمرة الأولى في حدود 2.5 مليون سنة قبل الآن، وتنتهي مع ظهور أول حضارة تاريخية بعد اختراع الكتابة مباشرة في 3200 قبل الميلاد، وهي الحضارة السومرية».

إن الكتابة عنصر مهم في الإشارة إلى بدايات التاريخ، ويرى، الماجدي، ببساطة أن عصور ما قبل التاريخ هي عصور ما قبل الكتابة، ومن هنا تنشأ صعوبة البحث في مادة مثل هذه التي يخوض فيها الماجدي.

يشرح الماجدي نشأة ومنهج ما سمّاه «علم التاريخ»، ثم يتناول العصر الحجري الذي وصفه بِ«العتيق»، ثم ينتقل إلى العصر الحجري القديم الذي وصفه

بِ«الأسفل»، ويرى الماجدي «أن الإنسان أنتج في هذا الفصل خمس ثقافات أساسية ظهرت فيها، كما يقول، مجتمعات الصيد البدوية الصغيرة الراحلة دائماً بين الكهوف وفيها اكتشف الإنسان النار، واستعمل الفؤوس الحجرية»، ثم يذهب الماجدي إلى ما سمّاه العصر الحجري القديم الأوسط، ثم العصر الحجري القديم الأعلى ثم ينتقل إلى العصر الحجري الحديث «.. والذي ستكوّنه الزراعة وستصبح، ثورة إنتاج الطعام، هي أساس زمن جديد تنشأ فيه القرية وتظهر معه عبادة الآلهة الأم المسؤولة عن الولادة والأرض والخصب والزرع وستظهر ثقافات كثيرة في هذا العصر، تنتظم بطريقة مدهشة في الهلال الخصيب بشكل خاص».

بعد ذلك ينتقل الباحث إلى العصر النحاسي، ويقول الماجدي في شرحه لهذا العصر «يكتشف فيه الإنسان النحاس ويصحبه انقلاب ذكوري واسع يبدأ بتأسيس مجتمعات المدن وتنتظم ثقافاته في وادي الرافدين بتسلسل مترابط يؤدي إلى نشوء المعابد والحِرَفْ والزعامات والأساطير وغيرها»، ثم يتناول الماجدي ما سمّاها «العتبة الأخيرة»: «الحاسمة التي فصلت عصور ما قبل التاريخ عن العصور التاريخية وهي (البروتولتريت) أي العصر الشبيه بالكتابي أو الشبيه بالتاريخي».

فتح كبير

من المهم أن نعرف من أسس علم ما قبل التاريخ في هذا السياق الميثولوجي الواسع جداً سواءً في البحث أو في القراءة. د. خزعل الماجدي يخبرنا أن علم ما قبل التاريخ تأسس على يد عالمين فرنسيين في منتصف القرن التاسع عشر؛ هما: جاك بوشيه دو بيرت 1837-1860، وإدوارد لاتيه 1861-1871، ويعد الماجدي أن هذا التأسيس البحثي على يد هذين العالميين يكتسي أهمية كبيرة واعتبره فتحاً كبيراً.يعود د. الماجدي إلى 50 مرجعاً عربياً مع 19 مرجعاً أجنبياً فضلاً عن فهرس يضم عشرات الأعلام وفهرس آخر يضم مئات الأمكنة، وفهرس يضم عشرات المصطلحات ليضع في النهاية هذا الكتاب الكبير حجماً وقيمةً تاريخية وثقافية ومعرفية يجد فيه الشاعر ذاته الأسطورية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"