دراما مريضة

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

ربما تمددت واتسعت رقعة الغضب على مؤلف ومخرج «نسل الأغراب»، محمد سامي، أكثر مما ينبغي، وتحولت لدى البعض إلى فرصة ل«الأخذ بالثأر»، وردّ الكيل للمخرج الذي عرف عنه سرعة غضبه وانفعاله، وكثرة «معاركه» مع بعض العاملين معه، خصوصاً «الكومبارس»، وأصحاب الأدوار الصغيرة. وإذا أعدنا الأمور إلى نصابها، وحصرنا القضية في قرار شركة المتحدة للخدمات الإعلامية وقف التعامل مع محمد سامي، والأخطاء التي لا تغتفر التي وقع فيها، ويتحمل مسؤوليتها بشكل مباشر باعتباره المؤلف والمخرج والمتحكم في العمل من ألفه إلى يائه، نصل إلى حقيقة واضحة وهي التي يجب التركيز عليها بعيداً عن الردح والذم والشماتة والشتيمة.. حقيقة هدفها الحفاظ على الفن والدراما والقيم، وصورة المجتمع.
الحقيقة تقول إن الدراما سلاح بيد المؤلف أولاً، والمخرج ثانياً، وإذا اجتمعا في شخص واحد تضاعفت مسؤوليته، وبالتالي عليه أن يتحمل تبعات ردود الأفعال، ولا يجوز الاحتماء بشعارات فارغة للدفاع عن النفس، مثل الرد على منتقديه بمقولة «هؤلاء هم أعداء النجاح»، كأنه يتعرض لمؤامرة هدفها إسقاطه عن عرش النجاح. وليس مقبولاً أيضاً أن يزيد من فشله الدرامي بفشل يؤكد فيه غروره وتعاليه، مثل قول محمد سامي إن كل ما قيل عن «نسل الأغراب» لم يأت من الجمهور «أنا أعرف صوت الجمهور جيداً»، مدعياً أن كل من انتقد العمل لم يكن هدفه النقد البنّاء، ولا هو من الجمهور.
ما شاهدناه جميعاً في «نسل الأغراب» من عنف وقتل غير مبرر، وتشويه لأهل الصعيد وللغجر وللقيم، لم يأت من النقاد، بل حمل توقيع محمد سامي، وعبّر عن أفكاره.
 ما الهدف من هذه الدراما؟ من أين انطلقت؟ وإلى أين وصلت؟ ما القضية التي طرحتها وعالجتها؟ ألم تكن محصورة في الاقتتال على حب امرأة، وتدمير قرية، وقتل أبطالها الذكور، وحتى قتل بذور الأمل المتمثل في الأبناء، وقتل نموذج الخير وصوت الحق، وممثل السلطة والدولة علي الغريب، من دون الوصول إلى أي هدف اجتماعي حقيقي وسليم؟ 
هذه دراما مريضة تشوّه ولا هدف اجتماعياً ولا إنسانياً منها، بل على العكس، دمرت قيماً ومبادئ لا يمكن التغاضي عنها لأجل خاطر مؤلف، أو مخرج، أو بطلة، أو حتى شركة إنتاج، فهي غير معفاة من تحمل مسؤوليتها في عدم قراءة الورق كاملاً، والوقوف على تفاصيل مهمة ومستفزة، فكيف لنا أن نغضّ الطرف عن الصفعة التي وجّهتها جليلة (مي عمر) لوجه خالة زوجها بستان (مريم سعيد صالح) لأنها تجرأت عليها بالكلام، وما أدراك ما الست جليلة؟ والأنكى أن زوجها غفران، (أمير كرارة)، أثنى على ما فعلته زوجته لأنها أخذت حقها فوراً من خالته. كيف نرضى بهذا الانحدار بالقيم والأخلاق وتجاوز الصغير على الكبير ونصمت كي لا يزعل المخرج وزوجته؟ لا يهمنا محمد سامي بحد ذاته، بل تهمنا الدراما وما تحمله للناس، هذا هو الجوهر، وهنا بيت القصيد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"