عادي
قراءات

فان جوخ.. سيرة أسطورية للجنون

22:14 مساء
قراءة 3 دقائق
4

الشارقة: علاء الدين محمود

الحياة العجيبة والغريبة والغامضة التي عاشها الفنان الهولندي فنسنت وليم فان جوخ «1853 – 1890»، لم تدفع الناس نحو متابعة واقتناء أعماله الفنية فقط، بل وأغرت الكثيرين بالاقتراب من عوالمه المضطربة المجنونة التي تشبه بالفعل إحدى الحكايات الأسطورية، لذلك صدرت العديد من الأعمال المهتمة بيومياته ورسائله، كما ركزت بعض المؤلفات على تناول صوره ولوحاته وتحليلها، بحيث تقدم تفسيراً لحياته الحافلة والمتوهجة، على نحو ما فعل عدد من المؤلفين الغربيين من الذين قدموا سرداً مصوراً لأوقات فان جوخ، خاصة أثناء إقامته في منطقة «سانت ريمي»، جنوبي فرنسا، والتي ذهب إليها من أجل العلاج من نوبات الجنون التي كانت تداهمه.

من أهم المؤلفات عن فان جوخ التي تمت ترجمتها مؤخراً إلى اللغة العربية، كتاب «المخلص دوماً فنسنت»، الذي يضم مجموعة من رسائل جوخ المختارة بعناية تبلغ في مجملها 265 رسالة، من أصل 903، والتي كان أرسل معظمها إلى شقيقه ثيو، وشقيقتيه، ووالديه، وبعض أصدقائه مثل: «أنطون رابارد»، «وبول جوجان»، إضافة إلى 108 من الاسكتشات، وهي الرسائل المفسرة والمكتشفة لحياته وأسرار رسوماته، والتي تحمل أفكار وآراء فان جوخ في الكثير من القضايا، وتستعرض الحياة الفنية والاجتماعية في عصره، خاصة في مدينة باريس، وتعكس حجم علاقته المميزة بشقيقه ثيو، وتلك المتوترة مع والده، حيث يتوقف الكتاب عند محطات ومنعطفات كثيرة في حياة الفنان القصيرة.

الكتاب يطل على عوالم الحب والجنون عند فان جوخ الذي عاش أوقاتاً كثيرة من عمره تحت وطأة المرض النفسي الذي اقتحم حياته عقب حادثة شهيرة، وهي حادثة بتره لأذنه اليسرى بشفرة عام 1888، وقد قام الرسام الكبير بذلك الفعل تعبيراً عن ندمه الشديد لمحاولاته جرح صديقه «جوجان» بشفرة الحلاقة، بعد مشاجرة معه، فقام فان جوخ بمعاقبة نفسه على ذلك الفعل بذات الشفرة، وهي الحادثة التي ظل بعدها الرسام الشهير يعاني نوبات عصبية متفرقة ومرهقة ومنهكة بدنياً ونفسياً، حيث كانت كل نوبة تصيبه بالتشوش وعدم القدرة على التعبير عن نفسه بشكل مترابط لفترة تستمر أياماً وأسابيع، ويظل خلالها في حالة من التوهان الشديد، ويدخل سرداباً مظلماً من الجنون يغيب في داخله، لكن في بعض الأحيان يعاوده الصحو، فينعم بالسكينة والمقدرة الجيدة على التفكير، الأمر الذي يمكّنه من الإقبال على الرسم بشغف شديد، ومما زاد من معاناة جوخ أن الأطباء قد حاروا في توصيف وتشخيص حالته النفسية والمرض الذي كان يعانيه، فتارة يصنفونه كنوع من الصرع، وأخرى بأنه انفصام في الشخصية، وربما ما جعل حياة فان جوخ مثيرة وملهمة للكثيرين، تلك التقلبات من الجنون المظلم إلى الصحو الخلاق المبدع.

ومع رسائل فان جوخ، نعيش في مناخات من متعة المعرفة، ونستمتع بالتفاتاته الجمالية المعبرة، والتقاطه البديع للتفاصيل الصغيرة، وتطوف بنا في عوالم عدة، حيث كتب الرسام بقلمه الرائع عن الحياة مشيداً صوراً ومشاهد أشبه بلوحاته، مع أفكار عميقة وتحليل فريد، كما تناول في رسائله الموسيقى والأدب، وقصص الحب الحزينة، والصراعات العائلية، وإضاءات حول رسوماته ولوحاته، والمناسبات التي شهدت مولدها، وكذلك تحدث في الرسائل عن مشاعر الحزن والشجن التي تراوده، وعن المرض والاضطرابات النفسية التي ظل يتعرض لها، وعن أحلامه وطموحاته في أن يصنع شيئاً خالداً يبقى على مر التاريخ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"