دائرة الانتقام

01:06 صباحا
قراءة دقيقتين

يستغرب البعض عبارة «غسل الدماغ» حين نطلقها على مسلسلات وأفلام تسعى إلى ترسيخ فكرة ما، والترويج لها بإلحاح. الأمر بسيط والنماذج متوفرة بكثرة، ومن شاهد مجموعة من المسلسلات التي عرضت في رمضان وما يعاد عرضه حالياً، يشعر بشحنة من الغضب تخرج من الشاشة كالعاصفة التي تهب دفعة واحدة فتحاصره من كل الاتجاهات. 
دعوة صريحة عنوانها «الانتقام» إذ لطالما سمعنا على مدى 30 ليلة كل هؤلاء الأبطال يرددون «حاخد حقي»، و«أخذ الحق حرفة» وما أكثر هؤلاء الحرفيين والمحترفين في ابتكار أساليب وألاعيب للتحايل والإيقاع ببعضهم البعض بهدف الانتقام.
يسرا، وباسل خياط، وأروى جودة، وجميلة عوض، وسينتيا خليفة، يشكلون كتلة من المتآمرين المنتقمين البارعين في نصب الفِخاخ ضمن «حرب أهلية» لا تخرج أحداثها من دائرة الغل والحقد والانتقام، ولا وجود للدولة والقانون سوى كالقشرة التي تغطي الوجه، بينما في الباطن يسود قانون الفرد وكل يخطط وينفذ ويأخذ حقه بنفسه. القصة التي كتبها أحمد عادل سلطان لا تخرج من هذه الدائرة ولا تشغل بال المشاهد سوى بفكرة التآمر والانتقام والثأر، والمصيبة أنك لا تجد نفسك أمام عمل يستدعي إعمال عقلك لحل الألغاز بذكاء ودهاء على طريقة أجاثا كريستي أو آرثر كونان دويل ومحققيهما الأشهر في عالم الروايات بوارو وشارلوك هولمز، بل هناك سذاجة في بعض المواقف وغياب كلي للمنطق. أحداث مصطنعة من أجل خدمة الفكرة الواحدة، الانتقام وأخذ الحق كل وفق أهوائه وقدراته و«ذكائه». 
تصاعد بالأحداث دون الارتكاز على نقطة ذروة، فكلما وجد شر ما، يأتي ما هو أشر منه، وكأن المؤلف أراد الوصول إلى قمة البشاعة التي يمكن أن تصل إليها النفس البشرية، لكن ما الهدف؟ هل هي مباراة لإظهار مدى ذكاء البطلة يسرا وقدرتها على التغلب على الشيطان وهي الوحيدة التي تملك مفاتيح الحلول لكل العقد؟ بل تبدو الحلول كالخاتم في إصبعها، سهلة المنال ومطواعة وسلسة، أياً كانت المشكلة التي تواجهها ومهما رفع الطبيب النفسي يوسف من سقف مكائده وألاعيبه وعقده. 
ليس «حرب أهلية» الوحيد الذي يلعب على وتر الثأر وكأننا نعيش في غابة لا يحكمها قانون، فقد عشنا نفس مراحل التوتر وانتظار خطط الانتقام والضربة ورد الضربة، والغدر من أقرب الناس، في «ضهر راجل»، و«ملوك الجدعنة»، و«ضد الكسر»، و«نسل الأغراب»، و«لحم غزال»، و«قصر النيل» وغيرها.. وكأنه غسل دماغ درامي جماعي للمشاهدين للوصول بهم إلى حد التفاعل والتأثر والاقتناع التام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناقدة سينمائية. حاصلة على إجازة في الإعلام من كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية. ساهمت في إصدار ملحق "دنيا" لجريدة الاتحاد ومن ثم توليت مسؤولية إصدار ملحق "فضائيات وفنون" لصحيفة الخليج عام 2002 فضلا عن كتابتها النقدية الاجتماعية والثقافية والفنية. وشاركت كعضو لجنة تحكيم في مهرجان العين السينمائي في دورته الأولى عام ٢٠١٩

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"