عادي

تسديد الدين عند تغير السعر

22:42 مساء
قراءة 3 دقائق
عارف الشيخ

د. عارف الشيخ

سألني سائل فقال: أنا تسلفت من أحد الأصدقاء مبلغاً، وكان سعر العملة في ذلك اليوم مرتفعاً، واليوم نزل سعرها كثيراً، فسددت ديني بعملة الحاضر فلم يقبل مني فما الحكم؟
قلت له: لقد كتبنا في هذه المسألة قبل هذا، ولكني أقول ثانياً وثالثاً: من حقه أن لا يقبل، لأن الأصل أن يكون تسديد الدين بمثل المبلغ، وبمثل سعر ذلك اليوم الذي اقترضت فيه، والمسلمون عند شروطهم.
نعم.. ربما تقول لي: إن هذا هو سعر العملة اليوم. فاقترضت بالدرهم، وسددت بالدرهم، وهذا القول منك صحيح، لكن بما أن سعر الدرهم نزل نزولاً فاحشاً، فإن ضرراً كبيراً يقع على صاحبك الذي اقترضت منه، إذا ربما يحصل على نصف حقه، ولذا فإن من حقه أن يطالب بسعر يوم الاقتراض لأنه أصل متفق عليه بين الفقهاء، ذلك أن أصل التعامل يكون بالنقدين الذهب والفضة، وما هذه الأوراق أو العملات الورقية، إلا تمثيلاً للنقدين المعتمدين في أصل الشريعة كقيمة ثابتة، فالعملة الورقية سواء كانت ديناراً أو درهماً أو جنيهاً أو دولاراً، هي نقود اعتبارية، كما تقول المجامع الفقهية المعتبرة، وفيها صفة الثمنية، وحتى في الزكاة نتعامل معها على أساس أصلها المعتمد ذهباً أو فضة.
إذن الأصل الذي يجب أن يعتمد هو رد المثل، ولا اعتبار لتغير القيمة يوم السداد، فالدين مال له قيمة، وهذه القيمة لا تتأثر إذا غلت الأشياء أو رخصت.
يقول ابن عابدين في رسالته «تنبيه الرقود على مسألة النقود»: «فإنه لا يلزم لمن وجب له نوع منها سواه بالإجماع».
ويقول الشيرازي من الشافعية في «المهذب»: «ويجب على المستقرض ردّ المثل فيما له مثل، لأن مقتضى القرض رد المثل».
ويقول ابن قدامة الحنبلي في «المغني»: «المستقرض يرد المثل في المثليات، سواء رخص سعره أو غلا أو كان بحاله»، وقال أيضاً: «ويجب رد المثل في المكيل والموزون ولا نعلم فيه خلافاً».
نعم.. ولو أن الدين الثابت في الذمة كان عملة ورقية معينة، ثم سقطت هذه العملة وبطل التعامل بها، فإنه في هذه الحال يصار إلى القيمة، وينظر إلى يوم قبض الدين أيضاً أو ثبوته في الذمة، ويسدد بأي عملة قائمة أخرى.
وقد وردت في الفتاوي السورية المبنية على المادة 695 من «مرشد الحيران على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان» ما يلي: «إذا استقرض مقداراً معيناً من الفلوس الرائجة، والنقود غالبة الغش، فكسدت تلك الفلوس وبطل التعامل بها، فعليه رد قيمتها يوم قبضها لا يوم ردها».
إذن فإن القول الأول في تسديد الدين هو أن الرد بالمثل يكون سواء غلا السعر أو رخص، لأن الثمنية ثابتة ولا تتأثر، والقول الثاني أن ينظر إلى نسبة التغير، فإذا كان التغير في حدود ثلث السعر أو أكثر واختلفا عليه، فإنه يفترض أن يتحمل كل من المقرض والمقترض جزءاً من الخسارة، لأنه لا ضرر ولا ضرار، والفقهاء قاسوا مثل هذا الضرر على الجوائح (الآفات غير الآدمية التي تصيب الثمار)، (انظر توصيات الندوة الفقهية التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي بجدة بالتعاون مع مصرف فيصل الإسلامي في البحرين عام 1420ه الموافق 1999 من الميلاد).
والخلاصة أنه عند تغير الأسعار تغيراً فاحشاً، يؤخذ بأحد الحلول الثلاثة: الصلح، وإذا تعذر فلجنة تحكم وحكمها ينفذ، وإلا فللقضاء أن يفصل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"