حياد الكربون الأوروبي

22:32 مساء
قراءة 3 دقائق

سيلفيا أمارو*

أوضح الاتحاد الأوروبي مؤخراً جانباً من خطته المتمثلة في كيفية تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري خلال السنوات المقبلة، والتي من المحتمل أن تُحدث ثورة في العديد من القطاعات مثل السفر الجوي والشحن العابر للقارات.

وتعهدت الكتلة المكونة من 27 عضواً بأن تصبح «محايدة للكربون» بحلول عام 2050، وأن تقلل من انبعاثات الغازات السامة لديها بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 عن مستويات عام 1990.

واستعرضت المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، آلية تحقيق ذلك بشكل موسع، وأوضحت على لسان رأس هرمها أورسولا فون دير لاين، بأن الاقتصاد المعتمد على استهلاك الوقود الأحفوري وصل حدوده القصوى، ونريد أن نترك للجيل القادم كوكباً سليماً ووظائف جيدة ونمواً لا يضر بطبيعتنا.

يتمثل التغيير الرئيسي في السياسة في توسيع نظام تجارة الانبعاثات الخاص بالكتلة. وبموجب الخطة، يمكن للشركات الاعتماد على تجارة البدلات للتعويض عن الانبعاثات في مصدر آخر داخل البلد أو خارجه، بحيث يظل الحد الإجمالي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري للمنشآت ومشغلي الطائرات ضمن سقف معين.

وتريد المفوضية الأوروبية التخلص التدريجي من بدلات الانبعاثات المجانية لصناعة الطيران وتضمين الشحن لأول مرة، كما تريد أيضاً نظاماً جديداً لتجارة الانبعاثات لتوزيع الوقود على النقل البري والمباني.

ويعد قطاع السيارات من أكثر القطاعات تضرراً من القواعد الجديدة، حيث اقترحت المفوضية في بيانها فرض حظر فعلي على سيارات الديزل والبنزين بحلول عام 2035. وهذا يعني أن نقاط الشحن يجب أن تكون متاحة بانتظام على الطرق السريعة الرئيسية، سواء للشحن الكهربائي أم للتزود بالوقود بالهيدروجين.

بالإضافة إلى ذلك، تهدف الخطط الجديدة إلى رؤية دول الاتحاد الأوروبي تنتج 40% من احتياجاتها من الطاقة عبر مصادر متجددة بحلول عام 2030.

تريد المفوضية تقديم سياسة تُعدّل من خلالها آلية تجارة الكربون عبر الحدود، والتي يمكن وصفها بأنها ضريبة بيئية. وهي آلية مصممة لضبط السلع المصنّعة في أي مكان آخر، وغير المتوافقة مع قواعد الانبعاثات الصارمة، قبل توريدها إلى الاتحاد الأوروبي. من شأن ذلك أن يجبر شركات الاتحاد على دفع رسوم الكربون المعدل من أجل استيراد السلع من خارج الكتلة. وستكون علامة السعر هي نفسها التي كانت ستدفعها تلك الشركات إذا تم إنتاج البضائع وفقاً لقواعد تسعير الكربون في الاتحاد الأوروبي.

وكانت الولايات المتحدة قد أعربت في السابق عن مخاوفها بشأن خطة أوروبا فرض ضريبة حدودية على الكربون. وأخبر جون كيري، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص بالمناخ، «فاينانشيال تايمز» في مارس/آذار الماضي، أن هذه الضريبة الحدودية لها آثار خطيرة على الاقتصادات والتجارة ووصفها بأنها أداة «الملاذ الأخير».

تقوم فكرة المفوضية على إدخال هذه الضريبة تدريجياً، وستشمل القواعد الجديدة أولاً قطاعات الإسمنت، والحديد والصلب، والألمنيوم، ثم تتبعها قطاعات أخرى. وأعلنت المفوضية أيضاً نيتها تحديث القواعد الخاصة بفرض الضرائب على الكهرباء، والمحركات، ووقود الطائرات، والتدفئة، والمعروفة ب «توجيه ضرائب الطاقة». وهي قواعد سارية المفعول منذ عام 2003، وترى المفوضية أنها غير متوافقة الآن مع أجندتها الخضراء.

وتعتبر المفوضية أن الحد الأدنى لمعدلات الانبعاثات الحالية قد عفا عنه الزمن. وبأنه لا يوجد هناك حافز لوقود أنظف، كما لا توجد صلة بين مستوى الضرائب والأثر البيئي. وهذا يعني أنه من المرجح أن تدفع شركات الطيران المزيد مقابل الوقود، وبالتالي احتمالية تحصيل هذه التكاليف الزائدة من جيوب المستهلكين. وقد يكون الأمر نفسه صحيحاً بالنسبة للعائلات إذا ما أرادو شراء وقود لتدفئة منازلهم.

تدرك المفوضية الأوروبية جيداً أن هذه الاقتراحات لن تخلو من التكاليف، وستسعى جاهدة لتقديم مساعدات مالية في هذا الصدد. حيث سيتم إعفاء الأسر الضعيفة والفقيرة من الضرائب المفروضة على وقود التدفئة، وستتلقى الدول الأعضاء تمويلاً للاستثمار في كفاءة الطاقة. وتتمثل إحدى الأفكار أيضاً في استخدام إيرادات خطة تجارة الانبعاثات في دعم دول الاتحاد الأوروبي من أجل تعويض تكاليف الانتقال الأخضر للمواطنين الضعفاء وغير المحصّنين مادياً.

ستؤثر أفكار المفوضية الأوروبية في اقتصادات أخرى خارج الكتلة بطرق مختلفة. وتشعر دول مثل بولندا وجمهورية التشيك والمجر بقلق خاص، حيث سيتعين عليها إجراء تحول هائل سيكون مكلفاً.

ووسط النقاشات والمقترحات الدائرة حالياً بخصوص حياد الكربون الأوروبي، لا يجب أن تغيب عن ذاكرة المسؤولين الاحتجاجات واسعة النطاق في فرنسا، والتي هزت البلاد في أواخر عام 2018، جرّاء فرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون آنذاك ضريبة خضراء على الوقود.

 * ( سي إن بي سي) - لندن

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

سي إن بي سي - لندن

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"