عادي

فلسفة فولتير.. درس في التسامح

23:27 مساء
قراءة 3 دقائق
2
7

«عندما نلاحظ ظواهر مثل إعادة تفشي الأصولية في الولايات المتحدة، ورعب التطرف الديني في الشرق الأوسط، والخطر المروّع المفروض على العالم المتمثل في صلف انعدام التسامح السياسي، نستنتج بكل ثقة، أننا لا نزال نستطيع الانتفاع من نموذج الوضوح والفطنة والأمانة الفكرية والشجاعة الأخلاقية لدى فولتير».

النص السابق للفيلسوف «أ.ج. آيور» والذي يؤكد أهمية الرجوع إلى الفيلسوف الفرنسي فولتير، خصوصاً عمله الأدبي «كنديد» وقد ترجمه إلى العربية أكرم زعيتر، فالرواية ضد الخمول والركون لليقين المزيف، ومع الطموح والشغف بالسؤال وبالتغيير، فرحلة «كنديد» هي انتصار للمغامرة التي يسمونها «الحياة» وهي اليوم صالحة للقراءة، كما كانت بالضبط، عندما نشرها فولتير للمرة الأولى سراً عام 1759.

في السنوات الأخيرة من حياته لم يكن فولتير مؤثراً في الرأي العام بالكتب الضخمة، وإنما بما ينشره من رسائل وكراسات، بأسماء مستعارة، وفي تلك الفترة ظهرت «كنديد أو التفاؤل» وكان عمره آنذاك 64 سنة وقد نشر الكتاب في جنيف عام 1759 خالياً من اسم المؤلف والناشر، وقد انتشر الكتاب بسرعة هائلة وأعيد طبعه باستمرار حتى إنه وجدت له 13 طبعة مؤرخة في سنة 1759 ولم يقتصر صيت الكتاب على فرنسا؛ بل عم أرجاء الدنيا وتُرجم إلى أرقى لغات العالم مرات كثيرة.

كان يسود العصر الذي ظهر فيه فولتير مبدأ التفاؤل القائل «إن كل شيء هو أحسن ما يكون في أحسن ما يمكن من العوالم»، وكان فيلسوف ألمانيا الشهير ليبنتز يحمل لواء هذا المذهب.

اكتئاب

في كتاب «كنديد» يجوب فولتير معظم أقطار العالم، فيتجلى اكتئابه النفسي حيال ما ينطوي عليه تاريخ العالم من حروب وفظائع ومصائب وأعمال تشابه ما يصدر عن المجانين، وكاد فولتير يقضي بكتابه «كنديد» على مبدأ التفاؤل في العالم، فيه يهدم التفاؤل المطلق، وهو من أعظم كتاب العالم حملة على هذا التفاؤل، إن لم يكن أعظمها.

الكتاب مؤلف من جزأين، ويوجد إجماع على أن الجزء الأول وضع بقلم فولتير، أما الثاني فقد ذهب كثير من النقاد إلى أنه من وضع كاتب آخر، وكان فولتير يقتصر على المطالبة بالإصلاح السياسي والديني، وهو على خلاف جان جاك روسو الذي كان ينادي بضرورة تجديد الدولة والمجتمع تجديداً كلياً، وكان فولتير راضياً بالمجتمع الذي يعيش فيه، فلا يرغب في قلبه، وإنما يطلب الإصلاح، وكان مفتوناً بتسامح الإنجليز الديني.

ولد فولتير في باريس عام 1684 وتوفي سنة 1778 وأطلق عليه غداة تعميده اسم فرانسوا ماري أرويه، وكان جده تاجراً كبيراً، وماتت أمه عندما كان في السابعة من عمره، أما أبوه فقد مات سنة 1721 تاركاً له شيئاً من المال، وحين بلغ فولتير الثالثة والعشرين من عمره، اعتقل في الباستيل بسبب قصيدة منسوبة إليه، وليست هذه هي المرة الأولى التي يزج فيها بفولتير في الباستيل، فبعد ثمانية أعوام من ذلك التاريخ أهانه أحد الأشراف، وأرسل إليه من يضربونه بالعصي، ويدعوه للمبارزة، لكن في صباح يوم المبارزة يعتقل فولتير، ويقضي في الباستيل نصف عام، ولما خرج هاجر إلى إنجلترا حيث أقام ثلاث سنوات هناك.

وفي إنجلترا اتصل فولتير بعلية القوم اتصالاً وثيقاً، وأعجب بالدستور الإنجليزي والحرية السياسية هناك، وعاد إلى باريس حاملاً في ذهنه كثيراً من المشاريع في الحرية السياسية والإصلاح الديني

غارة شديدة

نشر فولتير في سنة 1734 كتابه «الرسائل الفلسفية» وفيه يعرض نظريات الفيلسوف الإنجليزي لوك، وتقضي المحكمة العليا (البرلمان) بجمع نسخ الكتاب وإحراقها، وتصدر أوامر باعتقال فولتير، ولكنه يسارع إلى الفرار، ثم يلغى أمر اعتقاله، وتطلق له حرية العودة إلى باريس سنة 1735.

وأبدى فولتير في السنين الثلاث والعشرين الأخيرة من حياته نشاطاً عظيماً على الرغم من المشيب، فشن في هذه المرحلة الأخيرة من عمره غارة شديدة على عدم التسامح وجرائم التعصب ومظالم القضاء، وحين بلغ الثالثة والثمانين من عمره، عزم على السفر إلى باريس وحضر تمثيل روايته «إيرين» ولاقى أثناء سفره من الإجلال والتعظيم ما يفوق الوصف، ومرض في باريس وتوفي فيها بعد أن لبث بها ثلاثة أشهر، وحظرت السلطات الفرنسية على الصحف أن تتكلم عن وفاته، ورفض رجال الدين أن يدفن في قبر، وهُدّد برمي جثمانه في أحد أكوام القمامة، غير أن أهله تمكنوا من دفنه، ثم اشتعلت الثورة الفرنسية فنقل رفاته في سنة 1791 إلى مدافن العظماء «البانتيون» في باريس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"