عادي
قراءات

الشركات العملاقة..القوة الناعمة شفرة الأسواق

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق
1601

محمد إسماعيل زاهر

لم يكن تأسيس الشركات العملاقة لحظة فارقة في سردية الرأسمالية الغربية وحسب، ولكن في تاريخ العالم بأكمله، حدث هذا مع شركة الهند الشرقية البريطانية، وشركة الهند الشرقية الهولندية في القرن السابع عشر. لقد كان تغول تلك الشركات فاتحة لصراعات اقتصادية طويلة، نتجت عنها إعادة رسم خرائط واحتكار بضائع تجارية، وتشكيل موازين قوى، واشتعال صراعات عسكرية، وتشكيل صور ذهنية عن الآخرين واستعمار بلدان لعقود طويلة من السنوات.

في كتاب «الأربعة.. الشفرة الخفية لأمازون وأبل وفيسبوك وجوجل» من تأليف سكوت جالواي، نشعر بأن الرأسمالية تعود إلى بداياتها الأولى، إلى عصر تغول الشركة، والتي بات نفوذها يتمدد خارج الدولة القومية.

لقد كان نجاح «أبل» كارثياً على شركتي «موتورولا» و«نوكيا»، فهاتف «الآيفون» الذي طرح عام 2007، دمر «نوكيا» بالكامل، وأدى إلى خسارة 30% من إجمالي الدخل القومي لفنلندا، وتسبب في خسارة مئة ألف شخص لوظائفهم. يقول المؤلف: «ربما هاجمت روسيا فنلندا بالدبابات في عام 1939، ولكن غزو شركة أبل التجاري تسبب في أذى اقتصادي جوهري في فنلندا». واستطاعت «أبل» جمع عائدات خلال الفترة من 1996 حتى 2016 أكبر من إجمالي عائدات الدنمارك والبورصة الروسية، ورأس المال السوقي لشركات «بوينج» و«أير باص» و«نايكي» مجتمعة.

أما «أمازون» فنجحت خلال فترة وجيزة في إزاحة سلسلة متاجر «وول مارت» عن عرشها، وتسعى إلى امتلاك طائرات شحن وطائرات من دون طيار وغواصات، ولدى 64% من الأمريكيين حساب مميز في موقع الشركة، والكتاب صادر 2017.

وفي مفارقة لافتة يؤكد جالواي أن نصف سكان الكوكب يعشقون كرة القدم، ولكن هذه اللعبة الساحرة استغرقت أكثر من 150 عاماً لتحقق هذه الشعبية، أما شركة «فيسبوك» فجمعتها علاقة قوية مع 2.2 مليار إنسان خلال أقل من عقدين، ويقول ساخراً عن «جوجل»: «ينظر البشر كل يوم، ثلاثة مليارات مرة إلى شاشاتهم وليس إلى السماء».

ولكن لماذا هذه الشركات بالذات، هناك عدة محددات يضعها جالواي في الاعتبار وهو يختار تلك النماذج، منها الاقتصادي المتعلق بالقيمة السوقية للأسهم، أو الاجتماعي الثقافي الذي يأخذ في الاعتبار عدد المتعاملين مع تلك الشركات أوالمرتبطين بها عاطفياً. لقد لعبت هذه الشركات على عوامل عدة من أجل الوصول إلى تلك المكانة، ف«أمازون» مثلاً استغلت غريزة الرجل البدائي الصياد، الذي كان يخرج لجمع أكبر قدر من الطعام لكي يعود بها في المساء إلى أسرته، ولعبت على مناطق الإحساس بالسعادة في المخ والتي تستثار بمجرد أن نكدّس البضائع أثناء تجولنا في المتجر. ويكمن نجاح «أمازون» في قدرتها على إدارة تلك اللعبة في الواقع الافتراضي.

أما «أبل» فاعتمدت على فكرة الرفاهية وعشق بعض البشر لاقتناء السلعة المبالغ في سعرها. واستفادت «جوجل» من ظمأ البشر للمعرفة، فواحد من كل ستة أسئلة تطرح على مدار اللحظة في محرك البحث العملاق لم تطرح من قبل، مما شكّل أكبر مدونة معلوماتية عرفها الإنسان في التاريخ. ومنح الشعور بالحميمية «فيسبوك» نجاحاً منقطع النظير.

ويخصص جالواي فصلاً كاملاً للبحث عن الشركة الخامسة التي يمكن أن تدخل نادي الكبار: «علي بابا»، «تسلا»، «أوبر»، «وول مارت»، مايكروسوفت، «أي بي إم»، وكلها يمكنها ذلك بشرط البحث عن ميزة جديدة مبتكرة تستطيع الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.

الكتاب يشير أيضاً إلى علامات فارقة في الرأسمالية الراهنة، مثل تلك العلاقة الوطيدة التي استطاعت الكثير من العلامات التجارية تأسيسها مع المستهلكين؛ علاقة قلبية أكثر منها عقلية، فضلاً عن رصد لتطور المتجر نفسه. ومن سياق الكتاب الذي يستند كثيراً إلى أرقام وشواهد من الواقع يبدو أن الرأسمالية على أعتاب مرحلة جديدة، وإن كانت تعود إلى شكلها الأولي (الشركة) إلا أنها عودة وفق آليات ومعايير ترتكز على دراسات علم النفس ومداعبة غرائز البشر، والأخذ في الاعتبار الخصوصيات الثقافية، فكما تفوقت الرأسمالية في عالم تأسس على القوة المسلحة، يبدو أنها ستزدهر في عالم جديد يعتمد على القوة الناعمة بالدرجة الأولى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"