مـــا وراء الألعـــاب الأولمبـيـــة الشـــتــويــة

20:39 مساء
قراءة 5 دقائق

د. عبدالعظيم محمود حنفي *

مع انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين، بدءاً من 4 فبراير/ شباط الجاري، والتي تطمح الصين إلى أن تكون نموذجاً لإزدهارها، فإن الواقع يقول إن بكين وهي تدشن ذلك الحدث الرياضي العالمي، فإنها تدشن بداية عام حاسم في تاريخها مع انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الصيني في أكتوبر ونوفمبر المقبلين، الذي ينتظر أن يوافق على ولاية ثالثة لشي جين بينج – أعيد انتخابه يوم 17 مارس/ آذار 2018 عبر المؤتمر الشعبي الوطني الذي ألغى حدود فترة الرئاسة من الدستور – وهو أمر غير مسبوق في العقود الثلاثة الماضية في النظام السياسي الصيني. وبهذا يصبح الزعيم الصيني القائد الذي يتمتع بأكبر قدر من السلطة في بلاده منذ الزعيم ماو. كما تريد بكين استغلال الحدث الأولمبي للمباهاة بتقنية «الجيل الخامس الخاصة بها والذكاء الاصطناعي وبنيتها التحتية»، كما أشارت القيادة الصينية إلى أن البلاد تستعد لدخول حقبة جديدة من التنمية والازدهار الدولي بعد انتهاء عهد دينج شياو بينج والسعي إلى تحقيق التنمية الاقتصادية. وبالفعل، خلال عام 2021 ظهر ذلك في احتفالات الحزب بالذكرى المئوية للحزب في يوليو/ تموز الماضي، وفي الجلسة العامة للجنة التدريب المركزية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وفي خضم السعي لتحقيق تلك الأهداف المفصلية للصين بداية من دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، أعلنت واشنطن مقاطعتها الدبلوماسية لتلك الدورة، كما أعلنت الدول الحليفة للولايات المتحدة، بما في ذلك بريطانيا وأستراليا وكندا، عن مقاطعتها أيضاً. وعلى ما يبدو فإن الولايات المتحدة هدفت بذلك الإجراء إلى عدم مساعدة الصين في استغلال الألعاب الأولمبية لتحسين صورتها أمام العالم. وللحد من الاستثمار الصيني في «القوة الناعمة»، حيث تخوض الصين والولايات المتحدة منافسة استراتيجية طويلة الأمد، مع سعي كل منهما إلى هندسة الأمن في القارة الآسيوية، وتطويع القيم والمعايير العالمية لتتفق مع قيمها ومعاييرها. ويقضى ذلك أن ترى الدول الأخرى أن تلك الأهداف الأمريكية أو الصينية مشروعة، وأن تعجب بالثقافة والمؤسسات الأمريكية أو الصينية. أو بعبارة أخرى، يقضي الأمر بقوة ناعمة. 

وبفضل النتائج التي حققها الصينيون في دورة الألعاب الأولمبية عام 2008، حصلت الحكومة الصينية على أفضل لحظاتها من القوة الناعمة، حيث اعتبرت دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في عام 2008 ببكين نجاحاً رياضياً وإدارياً وجمالياً، وأصبحت بكين الآن أول مدينة تنظم دورتي الألعاب الأولمبية الشتوية والصيفية، ما يقدم للرئيس «شي» – وفق الآراء الأمريكية - فرصة جديدة لحشد القومية وسط شعبه الذي يبلغ تعداده 1،3 مليار نسمة، وبناء قوة الصين الناعمة التى ادخرتها خلال دورة ألعاب 2008.

استراتيجية الإنكار

في حين ترى مراكز دراسات استراتيجية آسيوية أن القرار الأمريكي بالمقاطعة الدبلوماسية يمكن فهمه باعتبار أن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية تقام في خضم الصراع المرير بين الولايات المتحدة والصين.     وفي إطار الجيوسياسية الجديدة في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ، ففي الحرب الباردة الجديدة التي بدأت تتكشف بين الولايات المتحدة والصين، انقلبت أولويات أمريكا الاستراتيجية. واليوم، يهيمن التهديد الصيني على الاستراتيجية الأمنية للولايات المتحدة، وقد حل شرق آسيا محل أوروبا باعتبارها المسرح الرئيسي للمنافسة الجيوسياسية العالمية. وأصبحت العواقب الأمنية لهذا التحول في تركيز أمريكا واضحة بشكل متزايد.

وإن المقاطعة الأمريكية الدبلوماسية هي جزء من «استراتيجية الإنكار»، التي تنبع أهميتها أمريكياً لأسباب جوهرية عبّر عنها، أنتوني ج. بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، في خطابه في جاكرتا، جامعة إندونيسيا (14 ديسمبر 2021) حيث قال حرفياً: «إن ما يحدث في تلك المنطقة أخرى، سيشكل مسار العالم في القرن الحادي والعشرين. إذ إن منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ هي المنطقة الأسرع نمواً على هذا الكوكب. فهي تمثل 60% من الاقتصاد العالمي، أي ثلثي إجمالي النمو الاقتصادي على مدى السنوات الخمس الماضية، فهي موطن لأكثر من نصف سكان العالم، وسبعة من أكبر 15 نظاماً اقتصادياً، وهي متنوعة، وتضم أكثر من 3000 لغة، والعديد من الأديان، التي تمتد عبر محيطين وثلاث قارات. وكانت الولايات المتحدة، وما زالت، وستظل على الدوام، دولة بين المحيط الهندي والمحيط الهادئ. وهذه حقيقة جغرافية، فهي تمتد من سواحل المحيط الهادئ إلى جوام، وأراضينا تمتد عبر ضفتي المحيط الهادئ. وهي أيضاً حقيقة تاريخية تتجلى بوضوح من خلال قرنين من العلاقات التجارية وغيرها من العلاقات مع المنطقة. 

وحالياً، يقع نصف أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة اليوم في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادئ. وهي الوجهة لما يقرب من ثلث صادراتنا، ومصدر لما يبلغ من 900 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في الولايات المتحدة. وهذا يخلق ملايين الوظائف المنتشرة في جميع الولايات الخمسين. ويتمركز المزيد من أفراد جيشنا في المنطقة أكثر من أي مكان خارج الأرض القارية للولايات المتحدة، وذلك يضمن السلام والأمن الذي كان، ولا يزال حيوياً للازدهار في المنطقة، ويعود بالفائدة علينا جميعاً».

وترى تلك المراكز الاستراتيجية أن «استراتيجية الإنكار» تدعو إلى توجيه ضربات قاتلة للصين بثلاث طرق.

أولاً، تسعى الولايات المتحدة إلى ردع الصين عن طريق شن تحديات عسكرية في تايوان وبحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية.

ثانياً، تحالفت الولايات المتحدة مع شركائها الأمنيين بغرض الحد من النفوذ الصيني المتزايد، كما يتضح من التجمعات الإقليمية مثل: 

(1) تجمع «كواد» الذي يتألف من الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى أستراليا والهند واليابان، وهذا هو سبب لقاء «بايدن» مع قادة تجمع «كواد» وهي القوى العالمية على أعتاب الصين – للتأكد من أن «الطريقة التي يتم بها تصميم التكنولوجيا وتطويرها وحكمها واستخدامها تتشكل من خلال قيمهم المشتركة واحترامهم من أجل حقوق الإنسان العالمية».

(2) اتفاق «أوكوس» الذي بموجبه تتفق الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على مساعدة أستراليا في تطوير ونشر غواصات تعمل بالطاقة النووية. ما يزيد من الوجود العسكري الغربي في منطقة الباسفيك، بهدف مواجهة نفوذ الصين في منطقة المحيطيين الهندي والهادئ. ويغطي اتفاق أوكوس مجالات رئيسية، مثل الذكاء الاصطناعي، والحرب الإلكترونية، والقدرات تحت الماء، وقدرات الضربة بعيدة المدى. كما يشمل عنصراً نووياً، قد يقتصر على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يتعلق بالهياكل الأساسية للدفاع النووي. وسوف يركز الاتفاق على القدرات العسكرية.

(3) تحالف تبادل المعلومات الاستخبارية «العيون الخمس» الذي يضم أيضاً نيوزيلندا وكندا.

ثالثاً، تحاول الولايات المتحدة أن تقوم بعزل الصين دولياً، وأن تضعف سلطة «شي جين بينج»، لكي توقع بين «شي» وشعبه. ويمكن في هذا السياق فهم مقاطعة واشنطن الدبلوماسية لأولمبياد بكين الشتوية. وتورد تلك المراكز الاستراتيجية أمثلة أخرى، كاستراتيجية «البوابة العالمية» التي اتخذتها الدول الغربية للتنافس مع مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، ومجموعة «تي 12»، وهي مجموعة تتكون من أثنتي عشرة دولة تعد من الدول «التكنوديمقراطية» الرائدة.

 أين القوة الناعمة في كل هذا؟ تتمثل إحدى الإجابات في أن القوة الناعمة يمكن العثور عليها في أحداث أخرى، مثل قمة الديمقراطية الافتراضية التي عقدها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والتي حضرها ممثلون من أكثر من 100 دولة. ولجأت الصين، التي استبعدت من المؤتمر، إلى موجات ووسائط التواصل الاجتماعي لتعلن أنها تتبنى نمطاً مختلفاً وأكثر استقراراً من الديمقراطية عن ذلك الذي تمجده الولايات المتحدة.

الثابت، أن ألعاب بكين الأولمبية الشتوية 2022 حضر حفل افتتاحها زعماء وشخصيات من 25 بلداً من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"