مقاربة عالمية للصفقة الخضراء الجديدة

20:55 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *
لم تعد «الصفقة الخضراء الجديدة» (Green New Deal)، قصراً على الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك كوريا الجنوبية التي أعلنت حكومتها في يوليو 2020، أن الصفقة الخضراء الجديدة أصبحت سياسة رسمية. كما صار للاتحاد الأوروبي صفقته الخضراء الجديدة التي حدد بموجبها هدفه الشامل في ديسمبر 2019، وهو أن يصبح الاتحاد الأوروبي أول قارة محايدة مناخياً بحلول عام 2050، ما سينتج عنه بيئة أنظف، وطاقة ميسورة الكلفة، ونقل أكثر ذكاء، ووظائف جديدة، ونوعية حياة أفضل. وقد كانت «الصفقة الخضراء»، إحدى مبادرات سياسة حكومة المملكة المتحدة التي منحت مالكي المنازل وأصحاب العقارات والمستأجرين فرصة التوفير في فواتيرهم الكهربائية من عام 2012 إلى عام 2015، مقابل إدخال تحسينات في منازلهم تقتصد في استهلاك الطاقة. لكن الحكومة البريطانية تخلت عن هذه الخطة بسبب التجاوب الضعيف الذي لقيته من الجمهور كما قالت.
كما تنشط وتضغط منظمات مناخية في عدد من الدول المتقدمة مثل أستراليا وكندا، من أجل تشريع قانون خاص بالتحول الاقتصادي الكلي عبر مقاربة الصفقة الخضراء الجديدة. وفي أكتوبر من عام 2019، كتب الاقتصادي الأمريكي الشهير، الحائز نوبل في الاقتصاد، جوزيف ستيجليتز، مقالاً على موقع المؤسسة الإعلامية الدولية «بروجكت سينديكيت»، أكد فيه أنه من أجل العيش ضمن إمكانياتنا الكوكبية، سيتعين علينا تغيير العديد من جوانب الطريقة التي نعيش بها - كيف ننظم اقتصاداتنا ومدننا وأنظمة النقل والطاقة والإسكان والغذاء لدينا. بل إن التوصل إلى التزام دولي بصفقة خضراء جديدة، سوف يطلق العنان لموجة هائلة من الطاقة المبتكرة التي ستعم فوائدها على الاقتصاد العالمي بمجمله. وقد اعتبر ستيجليتز، وهو بالمناسبة مَنْ أشرف على تحرير التقرير الأول للهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC) عام 1995، أن حركة «السترات الصفراء» الفرنسية، قد لفتت الانتباه إلى ضرورة أخذ تكاليف توزيع أعباء الانتقال الأخضر، وإلا سيضطر العالم لدفع أثمان سياسية باهظة في حال تم تجاهل العواقب التوزيعية للعولمة والأموال. مردفاً، إننا إذا نجحنا في إدارة التحول الأخضر بشكل جيد، فإن الغالبية العظمى من المواطنين حول العالم يمكن أن يكونوا في وضع أفضل. ويأخذ شتيجليتز على الاقتصاديين (المنتمين إلى التيار المحافظ أساساً) الذين يناصرون، كما يقول، العجز المنخفض والتقشف، بدعوى عدم تحميل الأجيال القادمة عبء دفع تكاليف العجوزات والإنفاق المفرط، عدم أخذهم بعين الاعتبار التكاليف التي يفرضها تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، على الأجيال القادمة، والتي هي أكبر بكثير مما يتحججون به.
جدير ذكره أن الصفقة الخضراء الجديدة عبارة عن برنامج يرمي، بالإضافة إلى معالجة مشكلة تغير المناخ، إحداث مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية-الاجتماعية وتنفيذ مشاريع بنية تحتية، على غرار ما نفذه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت رداً على الكساد العظيم عام 1929، إنما بعناصر جديدة مثل الطاقة المتجددة، وترشيد وكفاءة استخدام الموارد.
لما كان ذلك، لربما تعيّن على كافة البلدان أن تكون لدى كل منها صفقتها الخضراء الجديدة التي تجمع بين مكافحة الانبعاثات والتحول للاقتصاد الأخضر والتوافق مع أهداف الأمم المتحدة الخاصة بالاستدامة. فتغير المناخ مرتبط بالنشاط البشري غير المرشّد، أي غير المستدام. وبما أن البعد الاجتماعي هو أحد الأضلاع (الأبعاد) الثلاثة للاستدامة، إلى جانب البعد الاقتصادي والبعد البيئي، وهي عناصر متكاملة وغير قابلة للتجزئة، فكان لابد للصفقة الخضراء الجديدة أن تجتمع في طياتها الأبعاد الثلاثة المذكورة.
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"