هل تبصر عملات البنوك المركزيــة الرقميــة النــور؟

21:16 مساء
قراءة 3 دقائق
3

جورج الحديري *

مع اعتماد المزيد من البلدان للعملات الرقمية للبنك المركزي (CBDCs)، أصبح «اليوان» الإلكتروني الصيني الأكثر استخداماً في العالم، مع أكثر من 261 مليون مستخدم، وبلغ إجمالي المعاملات 87.6 مليار يوان (13.8 مليار دولار).

 وفي السويد، التي تتمتع بواحد من أعلى معدلات المدفوعات الإلكترونية في أوروبا، اختبر بنكها المركزي أيضاً «الكرونة» الإلكترونية مع تقلص استخدام النقد في اقتصاد البلاد. كما خصصت بريطانيا فريق عمل لبدء استكشاف آلية استخدام عملة رقمية لبنك إنجلترا المركزي، جنباً إلى جنب مع النقد والودائع المصرفية. وبالمثل، يدرس النظير المركزي الأوروبي فكرة طرح «اليورو الرقمي»، كل ذلك وسط استمرار الكثير من الأبحاث والمناقشات ذات الصلة في الولايات المتحدة. ومع ذلك لم تصدر حتى الآن أي دولة من دول مجموعة السبع عملتها الرقمية المركزية الخاصة بها.

ويبقى السؤال، هل تقدم عملات البنوك المركزية الرقمية بديلاً مفيداً للأشكال الحالية التقليدية للدفع الإلكتروني، وهل تعتبر ضرورية في حين يُقدر أن أكثر من 100 مليون شخص على مستوى العالم يستخدمون بالفعل العملات المشفرة والعملات المستقرة التي تم إنشاؤها بشكل خاص؟ خصوصاً بعد أن ذهبت بعض البلدان، مثل السلفادور، إلى حد اعتماد عملة «البيتكوين» قانونياً، على الرغم من أن صندوق النقد الدولي حثها على عكس هذا القرار.

 عموماً، يمكن أن تلعب العملات الرقمية للبنوك المركزية دوراً حاسماً في مستقبل سوق الأصول المشفرة الذي تدعو الحاجة الملحة لتطويره مع استمرار نموه، إذ يُعتقد أن قيمته تبلغ نحو تريليوني دولار.

وبحسب تصميمها، فإن معظم العملات المشفرة والعملات المستقرة لا تندرج ضمن قوائم الأموال التي يصدرها البنك المركزي، كالنقد. وبالتالي لا يمكن استخدامها بالتبادل مع العملات الورقية. ونتيجة لذلك، غالباً ما تكون العديد من العملات المشفرة، وحتى بعض العملات المستقرة شديدة التقلب، وحتى إن زادت تقلبات الأسعار اليومية عن 10 في المئة، تبقى أمراً اعتيادياً. وبالتالي فإن مثل هذا التقلب يجعل من الصعب تصور استخدام هذه العملات في المعاملات المالية اليومية. وبدلاً من ذلك، تُستخدم هذه العملات الرقمية الخاصة في الأغلب لأغراض الاستثمار، وكما هو الحال مع أي استثمار، فإنها تنطوي على مخاطر جمّة. من حيث المبدأ، وهذا ليس بالأمر غير المعتاد، لكن الاعتماد الواسع النطاق للعملات المشفرة والعملات المستقرة يشكل مخاطر نظامية أوسع إذا تركت من دون رادع أو رقيب، وستكون هناك حاجة إلى تنظيم مالي مدروس جيداً لإدارة هذا السوق المتنامي.

 وأصدر فريق عمل الرئيس الأمريكي ،جو بادين، المعني بالأسواق المالية توصيات معقولة للغاية بشأن العملات المستقرة. وتعمل الدول والسلطات القضائية الأخرى على مقترحات مماثلة. وعليه، يعتبر التنسيق العالمي المفتاح الضامن لحماية الاستقرار المالي. من هذا المنعطف تتميز عملات البنوك المركزية الرقمية عن غيرها من الأصول المشفرة. وإن باتت خاضعة للتنظيم والتأمين من قبل البنوك المركزية الخاصة بها، فمن المرجح أن تعتمد كعملة مستقرة وموثوق بها. فأحد المبادئ الأساسية هو أنه ينبغي تصميمها بحيث لا تضر بالاستقرار المالي، المحلي والعالمي.

وهناك منعطف أساسي آخر يتمثل في حماية بيانات العملاء والخصوصية، إذ يجب أن تظل ذات أهمية قصوى، وكذلك مكافحة الجريمة المالية. في المقابل، تقوّض بعض العملات المشفرة مثل هذه الأساليب من خلال بقائها مجهولة تماماً أمام المستثمرين.

 وتتمثل أيضاً إحدى الفوائد الرئيسية للعملات الرقمية للبنوك المركزية في قدرتها على جعل المعاملات العابرة للحدود أكثر كفاءة. وتدرك البنوك المركزية والهيئات التنظيمية تماماً ضمان توافقها مع المبادرات المنسقة عالمياً لجعل ذلك حقيقة واقعة.

وفي حال تم تصميمها وتنفيذها بشكل صحيح، فإن عملات البنوك المركزية تقدم إجراءات دفع أسرع، وبالتالي تقليل أوقات التسوية وتكاليف المعاملات. وقد تكون هذه مجرد البداية، فالتوقعات والآمال أكبر بكثير، ويمكن أن تعمل كمحفز إضافي للنمو السريع لأسواق الأصول الرقمية.

إن استخدام عملة سريعة وموثوقة وآمنة كعملة البنوك المركزية الرقمية لشراء أصل رقمي من شأنه أن يضمن تحويل المبلغ بالسرعة والأمان، مثل ملكية الأصل نفسه. ونحن نشهد بالفعل العديد من التطورات المثيرة في هذا الفضاء الناشئ، والرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) المرتبطة بالفن الرقمي ليست سوى مثال واحد يحتل العناوين الرئيسية.

 ويتمثل التحدي الهائل للمنظمين العالميين في تصميم نهج شامل للعلاقات المالية لا يخنق الابتكار، ويعمل على حماية سلامة واستقرار الاقتصاد العالمي. وفي هذا الصدد تلعب العملات الرقمية للبنك المركزي دوراً رئيسياً.

* الرئيس التنفيذي المشارك للخدمات المصرفية والأسواق العالمية في «إتش إس بي سي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"