الإعلام الجديد ومشكلاته

00:23 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

اختلفت مصادر المعلومات وتنوعت عبر العصور، فبعد أن كانت الدولة هي المصدر الوحيد، تبث أخبارها وبرامجها ومعلوماتها، التي غالباً ما كانت تعكس وجهة نظر السلطة في مختلف المجالات وفي الشأن العام، لم تعد وحيدة بعد اختراع المطابع، وتطور أنظمة الحكم وظهور الأحزاب؛ بحيث صارت الأخيرة مشاركة أو منافسة للدولة في العملية الإعلامية والتوعوية، وأحياناً تسهم في صناعة القرار أو تعديله. 

وبعد اختراع وسائل البث الصوتية والمرئية، إضافة إلى خاصية البث المباشر، لم يعد الإعلام شريكاً؛ بل منافساً في نقل الخبر والفعاليات، ومن وجهات نظر مختلفة، وحتى الآن، أي هذه المرحلة من الاكتشافات، كان بمقدور المؤسسة الرسمية أو السلطة التحكم نسبياً في المصدر عن طريق حجبه أو منعه أو مصادرته، وكانت الدول البوليسية تقوم باعتقال وسجن من يعارضها أو يشاكسها من دون اعتراض أحد، لكن هذا كله تغيّر بعد ثورة الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، والدخول إلى عصر الإنترنت وما صاحبه في ما بعد من مدوّنات ومدونين ومؤثّرات ومؤثّرين، ناهيك عن انفجار وسائل التواصل الاجتماعي، الذي خلق فوضى لا مثيل لها في البث وتنوع المصادر، ونشر الأخبار الكاذبة والصحيحة والمفبركة، ما أدى إلى خسارة الدول السيطرة على مصادر المعلومات، وأصبح كل فرد في المجتمع، لو أراد، أن يلعب دور المصدر والمذيع والمحلل والأدوار كلها، ما حرّض الدولة على بناء جيوش إلكترونية تستخدمها لنشر المعلومة أو التصدي لأخرى، وعلى الرغم من ذلك، لا تستطيع التحكم الكلي، كما كانت تفعل في السابق، بالأفكار والمعلومات والتحاليل ووجهة النظر، اي صار العالم متعدّد الأقطاب إعلامياً، كما هو سياسياً واقتصادياً.

 إن أكبر خطر قد يشكّله الإعلام الجديد يكون في أوقات الحرب، فهو ينقل أخبار المعارك بالصوت والصورة والكلمة على الهواء مباشرة، ولا شك أنه انتقائي ومنحاز لطرف من الأطراف، الذي قد يكون مهزوماً ويجعله منتصراً، إضافة إلى التشويش على سير المعارك والجبهات الداخلية، والأخطر من ذلك هو الإشاعة. صحيح أن حرب الإشاعة معروف منذ كتاب «فن الحرب»، إلا أن الإشاعة في عصر وسائل التواصل الاجتماعي باتت مربكة بشكل مخيف، ليس في أوقات الحرب فقط إنما في السّلم أيضاً، ما أدى إلى انشغال وسائل الإعلام الرسمي وغير الرسمي بالنفي والاستنكار والتصويب، وقد أجبر هذا الوضع المؤسسة الرسمية على إنشاء أقسام خاصة لرصد الأخبار المدسوسة والموضوعات المسمومة والرد عليها أو الإحاطة بها.

 يرى البعض أن ما حصل لم يكن تطوراً إيجابياً؛ بل سلبياً أدى إلى خلط الأوراق والمفاهيم، إضافة إلى إلحاق الضرر بالمنظومة الأخلاقية، كما سمح للجهلة وأنصاف المتعلمين وغير الاختصاصيين بالتدخل الساذج في حوار فكري أو فلسفي أو سياسي، وحرفه إلى مقاصد أخرى. ويرى البعض الآخر أن التغيير الذي حصل في عالم الاتصال والإعلام كان تقدماً انعكس على البشرية بشكل رائع، فقد منح الفرد حربة التعبير عن نفسه والمشاركة في قضايا الشأن العام، وقلّل من سيطرة الدولة على مصادر المعلومات التي هي حق طبيعي للإنسان، وفتح أمام البشرية فضاءات واسعة وشاسعة للابتكار والتجديد، وتسهيل الحياة، وغير ذلك من فوائد إدارية ومعاملاتية ومعلوماتية وبحثية.

 ويبقى تفضيل أي فكر على الآخر معتمداً على الفوائد التي يجنيها كل طرف، السلطة من جهة، والأحزاب أو الشعب من جهة أخرى، ويعتقد البعض بأن السلطة تتمنّى لو لم يتم اختراع وسائل التواصل الاجتماعي مع الاحتفاظ باختراع التقنيات الأخرى لتسهيل الإجراءات، ويرى آخرون أن هذا التطور سلاح ذو حدّين، فهو مفيد للشعب، لكنه مثير للشغب وخالق للفوضى.

 لقد حدث ما حدث، ولا شك أن الابتكارات التقنية وجدت لخير الإنسان، وسوء استخدامها يجعلها قبيحة، والمطلوب هو التوعية باستخدام الاختراع أو الوسيلة، والتركيز على فضائلها والتشجيع على استخدامها لتعزيز التقارب الإنساني، وفض النزاعات الفردية والجماعية بالطرق السلمية الحضارية، وتمهيد الحاضر للانتقال إلى مستقبل أكثر أمناً وأماناً، تتمتع فيه الأجيال الصاعدة بخير الإعلام الجديد والابتكارات الحديثة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"