تأثيرات العقوبات في الاتحاد الأوروبي

21:15 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

رغم العقوبات الكاسحة وغير المسبوقة التي انضم الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة الأمريكية في فرضها على روسيا على خلفية التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، إلا أن الاتحاد الأوروبي اختار عدم مجاراة أمريكا في وقف وارداته من النفط والغاز الروسيين، لسبب وجيه، وهو اعتماده على النفط الروسي بواقع 30% وعلى الغاز الروسي بنسبة 40%. 

وكما ستتضرر روسيا بالعقوبات الاقتصادية النارية التي فرضتها عليها أمريكا وأوروبا، فإن للعقوبات تأثيراتها الجانبية أيضاً في الأطراف المشاركة فيها كافة. بالنسبة للاتحاد الأوروبي، من المرجح أن تشهد أسوق المال وأسواق القطع الأجنبي فيه، تقلبات كبيرة على المدى القصير والمتوسط.

أوروبا مكشوفة على نحو خطير في مجال التزود بالطاقة مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم. وبالتالي، سوف يشهد الاتحاد الأوروبي تضخماً أكبر في الأسعار مدفوعاً بالارتفاع المطرد في الأسعار العالمية للنفط والغاز. ومن المتوقع أن ترتفع أسعار النفط العالمية من حوالي 100 دولار للبرميل من خام القياس من نوع برنت وقت الغزو، إلى ما لا يقل عن 120-125 دولاراً للبرميل. كما سترتفع أسعار الغاز الطبيعي أيضاً على المدى القصير. وإذا اضطر الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل لشراء الغاز الطبيعي من الشرق الأوسط أو الولايات المتحدة الأمريكية على شكل غاز طبيعي مسال، فستكون الأسعار أعلى من ذلك بكثير، ليفاقم وضع التضخم في بلدان المجموعة.

الانتعاش الاقتصادي في أوروبا من جائحة كورونا هو أيضاً أكثر ضعفاً مقارنة بالاقتصاد الأمريكي. ونظراً لاعتزام البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة مع ارتفاع التضخم، فمن المرجح أن تؤدي هذه الزيادة إلى إضعاف تعافي الاقتصاد الحقيقي بسرعة أكبر من قيام البنك المركزي الأمريكي برفع سعر الفائدة بصورة مماثلة. كما أن زيادات الأجور كانت مؤخراً أبطأ في انتعاشتها، في بلدان الاتحاد الأوروبي، منها في الولايات المتحدة. كما سوف يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة والسلع إلى تثبيط الاستهلاك الأسري أكثر وأسرع في حالة الاتحاد الأوروبي أيضاً. وقد ترتفع أسعار المواد الغذائية أيضاً، حيث يحصل الاتحاد الأوروبي على بعض السلع الزراعية من أوكرانيا.

باختصار، سيؤدي التضخم وزيادة حساسية الاقتصاد الحقيقي في الاتحاد الأوروبي لأسعار الفائدة البنكية، إلى إبطاء انتعاشه الاقتصادي بشكل أكبر. وقد يضاف إلى التباطؤ متحور «أوميكرون» الجديد الذي يبدو أكثر عدوى من السابق. وهو ينتشر حالياً بسرعة في أجزاء من الاتحاد الأوروبي، وسيؤدي إلى تفاقم الاتجاهات نحو التباطؤ الاقتصادي التي تدفع بها تأثيرات الحرب.

ستشعر أوروبا أيضاً بتأثيرات الرد الروسي المتبادل بشكل أكبر نسبياً، وذلك على خلفية قيامها بتجميد أصول البنوك الروسية، والوصول إلى الديون الروسية، وعقوبات التصدير والاستيراد المفروضة على روسيا. فقد تم دمج الاقتصاد الأوروبي مع الاقتصاد الروسي ليس فقط في مجال الطاقة، ولكن أيضاً في قائمة طويلة من المنتجات الصناعية والاستهلاكية.

وهناك تأثير سلبي آخر على المدى الطويل، وهو أن الولايات المتحدة ستطلب على الأرجح أن يتحمل الاتحاد الأوروبي نصيباً أكبر من إجمالي عبء الدفاع والإنفاق. وسيؤدي تحويل عائدات الضرائب من برامج الإنفاق الاجتماعي نحو الدفاع، إلى انخفاض صافي الدخل الحقيقي المتاح للعديد من الأسر الأوروبية. ومثله مثل التضخم، سيؤثر هذا أيضاً في الإنفاق الاستهلاكي ويبطئ الانتعاش الاقتصادي والنمو، ومن المرجح أن يرتفع الدين الحكومي وديون الشركات في الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل بسبب تباطؤ النمو والتضخم.

باختصار، من المتوقع أن يواجه الاتحاد الأوروبي تأثيرات حقيقية سلبية كبيرة في اقتصاده نتيجة للحرب في أوكرانيا. على المدى الأقصر، سيكون هناك المزيد من تقلب أسعار الأصول والعملات، ولكن على المدى الطويل سنشهد ارتفاعاً مزمناً للتضخم، وانخفاض الدخل الحقيقي للأجور.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"