من يدفع ثمن التداعيات الاقتصادية للحرب؟

21:30 مساء
قراءة 4 دقائق
802

رائد الخضر *

منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، بدأ العالم يفكّر في التداعيات المحتملة لنزاع هزّ الأسواق العالمية متسبباً بصعود جنوني بأسعار السلع. ورغم حقيقة أن اقتصاد روسيا بلغ حجمه عام 2020 قرابة 1.48 تريليون دولار، ويبدو صغيراً مقارنة باقتصادات عظمى كالولايات المتحدّة التي بلغ حجمه اقتصادها للعام نفسه 20.94 تريليون، إلا أن انعكاس الأزمة على الأسعار كان قاسياً على المستهلكين، ويبدو أنهم من سيدفعون ثمن التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانيّة.

تمتلك روسيا أكبر احتياطيات نفطية في العالم، وتعتبر أكبر مصدّر للغاز، بصادرات عبر الأنابيب، 200 مليار متر مكعب سنوياً، و40.25 مليار متر مكعب تتم من خلال نقل الغاز المسال. وتنتج روسيا قرابة 11 مليون برميل من النفط يومياً، وهي ثالث أكبر دولة منتجة للخام بعد الولايات المتحدّة والمملكة العربية السعودية.

وبسبب أهمية روسيا الاستراتيجية في أسواق الطاقة، تسببت الأزمة بارتفاع أسعار النفط أكثر من 40% شهر مارس/ آذار الجاري، لترتفع أسعار عقود خام برنت إلى 138 دولاراً، قبل أن تقلّص مكاسبها. أما أسعار الغاز الطبيعي، فقد ارتفعت فوق 5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة ب 3.86 دولار الأدنى المتحقق شهر فبراير/ شباط، بارتفاع بلغت نسبته أكثر من 34%.

ولا يقتصر تأثير الأزمة الجيوسياسية الروسية الأوكرانية على أسعار الطاقة، بل يمتد أيضاً إلى سلّة الغذاء، فقد ارتفعت أسعار القمح لأعلى مستويات منذ 2008 في أكبر صعود تاريخي شهري قاربت نسبته 20% لكلّ من شهر فبراير ومارس الجاري 2022. وفي أسواق المعادن، ارتفع سعر الألومنيوم والحديد والزنك وكذلك النحاس وغيرها من المعادن.

ونحو ربع العناصر الغذائية الرئيسية المستخدمة لإنتاج الأغذية في أوروبا تأتي من روسيا وأوكرانيا، وبحسب منظّمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدّة (الفاو) 2020، نحو نصف واردات مصر من القمح تأتي من روسيا وأوكرانيا، كما تبلغ النسبة في عُمان أكثر من 70%، وبالنسبة إلى الأردن بلغت في ذلك العام أكثر من 40%، وفي ليبيا قرابة 60%. وتعتبر روسيا أكبر مصدّر للقمح في العالم، وصاحبة ثالث أكبر محصول، كما أن صادرات القمح والأغذية الأوكرانيّة تغطّي جزءاً كبيراً من الحاجات الأوروبية واحتياجات الشرق الأوسط وإفريقيا.

وحّذر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي مؤخّراً، من أن الأزمة ستعرّض الأمن الغذائي العالمي للخطر، حيث تستحوذ روسيا وأوكرانيا معاً على ثلث التجارة العالمية من القمح.

ونقص إمدادات يعني ارتفاعاً بالأسعار، والمستهلكون هم الضحيّة. معادلة اقتصادية معروفة، وانخفاض المعروض يعني ارتفاعاً بالأسعار، وهذا ما قد يدفع معدّلات التضخّم العالمية للارتفاع أكثر فأكثر. ووصل التضخّم عالمياً لمستويات بدأ فيها المستهلكون يعانون ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث ارتفع التضخّم في الولايات المتحدّة نحو 7.9%، وهو الأعلى منذ 40 عاماً، وفي أوروبا ارتفعت أسعار السلّة الاستهلاكية بأكبر وتيرة تاريخية بنسبة 5.8%، أما في بريطانيا، فقد وصل التضخّم إلى 5.5%.

وليست الدول الغربية هي فقط من تأثّرت بارتفاع الأسعار، بل نجد التضخّم قد ارتفع في تركيا إلى 54.4%، وشهدنا ارتفاع الأسعار في البرازيل 10.5% وصعدت الأسعار في مصر 8.8% وشهدت تونس ارتفاعاً بالأسعار على مدى 12 شهراً، وصلت نسبته إلى 6.6%. فكما نرى، العالم كلّه قد يعاني فيه المستهلكون ارتفاع الأسعار.

ويظهر ارتفاع الأسعار على شكل ارتفاع بالتضخّم، ومعدّلات التضخّم توضّح مقدار الانخفاض بالقدرة الشرائية للنقد. ومن الممكن تعريف انخفاض القدرة الشرائية للنقد ببساطة بأن نشير إلى أنّه الارتفاع في القيمة النقدية المطلوبة لشراء سلعة ما في الوقت الراهن مقارنة بالمبلغ المطلوب قبل فترة زمنية لشراء السلعة نفسها. فإذا ارتفع سعر سلعة من 100 دولار إلى 110 دولارات، فهذا يعني أن المستهلك انخفضت قدرته الشرائية 10 دولارات كان ممكن إنفاقها على سلع أخرى لو لم يرتفع سعر الأولى.

لا تقتصر أزمة أسعار السلع الاستهلاكية على الحرب الروسية الأوكرانية، بل بدأت معالمها بالتبلور أواخر عام 2020 مع أزمة سلاسل الإمدادات والتوريد، ثم تفاقمت مع تعافي الطلب على السلع والخدمات بأسرع من تعافي الإنتاج من جائحة كورونا. والآن، جاءت أزمة روسيا وأوكرانيا لتضع المستهلكين أمام توقعات ارتفاع هائل بأسعار سلّة الغذاء.

ومن هنا، نلاحظ أن الأزمة الروسية الأوكرانية قد تبدو بعيدة عنّا مكانيّاً، إلا أنها دخلت بيوتنا جميعاً كمستهلكين، وبدأنا نشعر بارتفاع تكاليف المعيشة، وقد يستمر هذا الارتفاع خلال الأشهر المقبلة حتى ولو عاودت الأسعار تقليص المكاسب التي حققتها على مدار الأشهر القليلة الماضية.

فالمستهلكون هم الضحية، والمستهلكون من ذوي الدخل المحدود والفقراء سيكونون الأكثر تضرراً بالأزمة.

ما العمل لتقليل أثر الأزمة في المستهلكين؟

قد يكون الاستثمار أحد أهم الحلول التي ربما ستقلل آثار الأزمة فينا كمستهلكين، فالبحث عن مصادر دخل إضافيّة لتنمية الأموال وحماية الادخارات من انخفاض قدرتها الشرائية يعتبر أهم ما يمكن عمله في وقتنا الراهن. وفي السابق، كان الاستثمار خياراً، وكان إيجاد مصادر دخل إضافي يعود لطاقات الشخص في العمل. لكن الآن، لم يعد ذلك خياراً، بل أصبح ضرورة من ضرورات الحياة يجب أن يفكّر فيها كل فرد من أفراد المجتمع، فالتضخّم المفرط بدأ لتوّه في العالم، وانخفاض القدرة الشرائية للنقد سيستمر لأشهر، إن لم يكن لسنوات.

* رئيس قسم الأبحاث في شركة «إكويتي» Equity - دبي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"