عمر الخيّام في «تيتانيك»

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

تقرير حديث يشير إلى أن نسخة مجلدة بشكل فخم، ومرصعة بالجواهر من «رباعيات عمر الخيّام» أرسلت في العام 1912، من لندن إلى نيويورك على متن السفينة الشهيرة «تيتانيك» التي غرقت في قاع المحيط الأطلسي، وغرقت معها تلك النسخة الثمينة النادرة.

اعتبر ذلك في حينه خسارة كبيرة لثروة لا تقدّر بثمن، رغم أن كارهاً للثقافة، يدعى السير جون، يوصف بأنه أمين مكتبة الملك، وفي هذا مفارقة، لم يكتف فقط بعدم إظهار اكتراثه بمصير تلك النسخة، وإنما قال، بالكثير من الاستعلاء الغربي المعهود: «إن قاع المحيط الأطلسي هو بالتأكيد أفضل مكان لها».

من أحزنهم مصير «النسخة الذهبية» من رباعيات عمر الخيّام، عملوا على إنجاز نسخة بديلة منها مرصعة بالجواهر وبمواصفات قريبة من تلك التي كانت للنسخة الغارقة، وبالفعل تمّ الانتهاء من النسخة التي تكلفت، هي الأخرى، في أواخر الثلاثينات، ولكن مصيراً أسود كان ينتظر هذه النسخة أيضاً، !ذ إنها احترقت في القصف الجوي للقاذفات الألمانية للعاصمة البريطانية في الحرب العالمية الثانية.

بعد إزالة أنقاض المبنى الذي كانت فيه المخطوطة، تمّ العثور على الخزنة التي تحتوي على نسخة الكتاب الثانية، ولكن عندما فتحت تلك الخزنة وجدوا المخطوطة كتلة سوداء مدمرة، فقد أدت الحرارة الشديدة للنيران إلى إذابة الجلد وتفحم الصفحات.

«ذهب» رباعيات الخيّام باق عبر الزمن، عابر للقرون، حتى لو ظهرت في طبعات بسيطة ومتواضعة، ليست فخمة ولا مرصعة بالجواهر. فالذهب في المحتوى لا في المظهر. وهي ليست عابرة للأزمنة وحدها، وإنما للأمكنة أيضاً، فما من لغة مهمة في العالم لم تعرف ترجمة واحدة للرباعيات إليها، بل وعدة ترجمات. 

حسبنا هنا أن نشير إلى ترجماتها المتعددة إلى لغتنا العربية، التي لا نحيط بعددها. ربما يكون لأداء أم كلثوم لترجمة أحمد رامي للرباعيات، أثره الكبير في شهرة هذه الترجمة بالذات، وهي ترجمة جميلة على كل حال، ولكن البعض يعتقد أن ترجمة الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي (1897-1977)، ربما تكون أكثر تميزاً، وهو أمر لا يمكن أن يقطع به إلا العارفون المتعمقون في اللغة الفارسية التي بها كتب الخيّام رباعياته. 

أشار الصافي النجفي إلى أن أول ما قرأه من الرباعيات كان تعريب وديع البستاني، فتأثر بها، فقال لنفسه: «إن كان هذا أثر التعريب فما هو أثر الأصل يا تُرى!؟»، فقصد طهران وأقام فيها ثماني سنوات لدراسة اللغة الفارسية، «كان همّي الوحيد فيها درس الأدب الفارسي والنفوذ إلى معانيه الدقيقة ومراميه السامية لأصل منها إلى الينبوع الصافي الذي سالت منه خيالات عُمر الخيّام».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"