سلسلة القيمة المحلية تدعم الأمن الغذائي

21:15 مساء
قراءة 3 دقائق
4

محمد باقر *
تحتضن الإمارات إمكانات قوية، تعزز من عمليات إنتاج المواد الغذائية في الدولة؛ حيث تنتشر في مدينة العين العديد من البيوت البلاستيكية التي تجسّد طموحات الدولة لتحقيق المرونة الذاتية في الإنتاج الغذائي.

وقد شهد إكسبو 2020 دبي استعراض العديد من نشاطات إنتاج المواد الغذائية، وسبل الاستفادة المثلى من البيئات الزراعية المراقبة على غرار الزراعة المائية النباتية الحيوانية والزراعة المائية دون تربة، وغيرها من الأمثلة الكثيرة.

إن الجهود المبذولة لتعزيز قدرات الإنتاج الغذائي محلياً تنطوي على أهمية حيوية كبيرة، نظراً لتوقعات ارتفاع الطلب على المواد الغذائية في دول مجلس التعاون الخليجي ليصل حجمه إلى 52.4 مليون طن متري بحلول عام 2025، مقارنة بحجم الطلب في عام 2020 الذي بلغ 46.8 مليون طن متري.

وبذلك فإن تعزيز الإنتاج الغذائي المحلي يلعب دوراً رئيسياً في دعم الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051 في دولة الإمارات، والرامية إلى تنويع مصادر استيراد الغذاء، وتحديد خطط توريد بديلة.

إلا أنه ثمة فوائد إضافية يعود بها تأسيس قطاع غذائي محلي قوي، من بينها الحاجة إلى تلبية ارتفاع الطلب المتزامن مع ازدياد عدد السكان بوتيرة سريعة. فمن المتوقع وصول عدد سكان دولة الإمارات إلى 11.5 مليون نسمة بحلول عام 2025 من نحو 9.5 مليون نسمة اليوم، الأمر الذي يزيد من وتيرة الطلب على المواد الغذائية.

وفي المقابل، كشفت جائحة كوفيد-19 عن نقاط ضعف في سلاسل التوريد العالمية لم تكن واضحة أبداً، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى وجود أنظمة مرنة لتوريد المواد الغذائية.

وعلاوة على ذلك، لا يخفى على أحد الضرر الاقتصادي الناجم عن الاعتماد على استيراد المواد الغذائية. فقد سجلت الإمارات في مثل هذا الوقت من العام الماضي، استيراد مواد غذائية بقيمة بلغت نحو 18 مليار درهم خلال ربع سنة مالية فقط. وبذلك فإن توطين حصة من الاحتياجات الغذائية في الدولة يقدم دفعة كبيرة للاقتصاد المحلي، ويسهم بتحقيق أهداف تنويع الاقتصاد الوطني.

وبالنظر إلى الصورة الشاملة، تقدم الدولة نموذجاً يحتذى عن الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لتحسين الأمن الغذائي.

لا شك أن الحكومة تلعب دوراً حيوياً بدعم الاقتصاد الغذائي لأي دولة. فنقطة الانطلاق في هذا المجال تكون عبر تأسيس إطار عمل وطني يوجه سياسات القطاعين العام والخاص في مجال إنتاج المواد الغذائية. وبذلك يعد تأسيس دولة الإمارات لاستراتيجية وطنية للأمن الغذائي، خطوة دافعة بالفعل نحو تطوير منظومة شاملة تعمل على تفعيل الإنتاج الغذائي المستدام، باستخدام أحدث التقنيات المتاحة، في حين تعكف باستمرار على إطلاق العديد من المبادرات ضمن إطار العمل المبتكر هذا.

وعلى سبيل المثال، كشفت أبوظبي عن حزم بإجمالي يبلغ 152 مليون درهم، بهدف تطوير إمكانات منظومة التقنيات الزراعية المحلية في الإمارة. كما أعلن مكتب أبوظبي للاستثمار عن استثمار بقيمة 367 مليون درهم، لاستقطاب رواد التقنيات الزراعية إلى الإمارة، لتطوير حلول الجيل المقبل للبيئات الجافة والصحراوية. كما أطلقت دبي مشروع «وادي تكنولوجيا الغذاء» بهدف تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي مع ضمان استدامة الموارد والمحافظة عليها. وسيشكل المشروع منطقة للهندسة والتكنولوجيا الزراعية، وحاضنات لابتكار الأغذية، ومركزاً للبحث والتطوير، ومنطقة للأنظمة اللوجستية المتقدمة.

وعبر العديد من المشاريع المماثلة في دولة الإمارات، تهدف الحكومة إلى جعل الدولة الرقم واحد «في مؤشر الأمن الغذائي العالمي» بحلول عام 2051. ولذلك يتعين على القطاع الخاص في دولة الإمارات أن يبادر إلى دعم هذه الطموحات، فأهميتها لا تقتصر على تقديم القيمة الاجتماعية فحسب؛ بل تشمل كذلك تأسيس منهجية واضحة المعالم للأعمال. واليوم، هنالك عدد كبير من القطاعات الجذابة ضمن صناعات المواد الغذائية يمكن اغتنام فرص تطويرها محلياً. ومن الأمثلة عليها المواد الغذائية العضوية والصحية المغلفة التي تشهد إقبالاً واسعاً من المستهلكين.

وتتمتع دولة الإمارات بموقع فريد من نوعه على تقاطع طرق التجارة العالمية مع آسيا، وتنفرد بوصول سريع ويسير إلى المنتجات الخام على غرار الملح والتوابل التي تصنع منها علاماتها التجارية الخاصة. وبوجود عدد كبير من المشاريع الطموحة، مثل مشروع «وادي تكنولوجيا الغذاء»، والتي تقدم دعمها لعدد كبير من المحاصيل الزراعية، فإن تطوير البنية التحتية لتصنيع المواد الغذائية في الدولة يمكّن اللاعبين المحليين من تزويد العملاء على المستويين المحلي والإقليمي بمنتجات طازجة.

إن المزيج الأمثل بين السياسات العامة الطموحة وابتكارات القطاع الخاص يضع دولة الإمارات بين أكثر الدول تميزاً وريادة حول العالم على مستوى الإنتاج الغذائي. ويدرك رواد الأعمال في هذا المجال حجم الإمكانات المتاحة، ليس لتحقيق مكاسب لأعمالهم فحسب، وإنما للمساهمة في تمهيد طريق التقدم الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة برمتها.

* نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي في «جي أم جي»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"