أثر التضخم في المحافظ الاستثمارية

21:55 مساء
قراءة 4 دقائق
5

بيتر هودسون *
هناك حرب، ويقولون إنه في الحرب من المهم أن تعرف عدوك. نعم، يمكنني أن أناقش هنا الأزمة الأوكرانية الروسية، لكن هذا عمود استثماري، والعدو اليوم في عالم الاستثمار ليس الدبابات، بل التضخم!

من المحتمل أن يكون هذا العدو قد دمر جزءاً من محفظتك الاستثمارية هذا العام، خاصة إذا كنت تمتلك أياً من أسهم النمو، تماماً كما هاجم محفظتك الجلدية في كل مرة تملأ فيها السيارة بالوقود، أو تدخل متجراً ما، أو تشتري أي شيء على الإطلاق. الآن، ساهم التضخم برفع مدفوعات الرهن العقاري بشكل غير مباشر، وباتت أسعار الفائدة المرتفعة السلاح الفعال الذي تستخدمه الحكومات لمحاربة هذا العدو الذي ظل هادئاً ل 30 عاماً خلت، لكنه استفاق وشن هجومه الجديد بقوة.

صحيح أنها فعالة، لكن أسعار الفائدة تعتبر سلاحاً بطيئاً ضد التضخم. وبدأت أسعار الفائدة بالفعل في الارتفاع في كل من كندا والولايات المتحدة وبعض أجزاء العالم، ومن المتوقع أن يتم رفعها أكثر خلال الأسابيع القليلة القادمة وحتى نهاية العام. لكن المستثمرين القلقين بشأن التضخم يحتاجون إلى فهم أن أسعار الفائدة ذات تأثير بطيء قليلاً، وقد يستغرق الأمر من ستة إلى تسعة شهور حتى تبدأ المعدلات الأعلى في إحداث أي فارق إيجابي في الاقتصاد والتضخم.

وبالتالي، هناك اعتباران مهمان هنا. الأول، أن التضخم قد يظل مرتفعاً، أو حتى يرتفع أكثر بعد الزيادات القليلة الأولى في أسعار الفائدة، ومن المهم عدم الذعر إذا حدث هذا. والاعتبار الثاني هو أن يتطلع المستثمرون إلى الأمام، مع توقع الكثير من التقلبات في القطاع قبل أي تغيير فعلي في التضخم إذا اعتقد المستثمرون أنه يمكن حقاً هزيمة العدو. ومن المحتمل أن تشهد أسهم جميع القطاعات العاملة اليوم، وخاصة الطاقة والمواد، بعض عمليات البيع في غضون بضعة أشهر، على الرغم من أن أرقام التضخم الرئيسية قد تظل مرتفعة.

ومن الخصائص المهمة للتضخم أن توقعاته أكثر أهمية بكثير من التضخم نفسه المعلن عنه. لنفرض أنك اشتريت سيارة حديثة مؤخراً، وأشار البائع إلى أنه عليك إغلاق الصفقة قبل نهاية الشهر، لأن الشركة المصنّعة ستطبق أعلى زيادة في الأسعار على الإطلاق مطلع الشهر القادم. لك أن تتخيل الحاصل عند المشترين، ستراهم في كل مكان يحاولون الشراء قبل ارتفاع الأسعار المزمع.

بالنسبة للمبتدئين، يوصف هذا ب «كيفية تجذر التضخم». فعندما يخشى المستهلكون التضخم، يبدؤون بإنفاق أموالهم بسرعة. وهذا الطلب المتزايد في حد ذاته يدفع الأسعار إلى الأعلى، وندخل في دوامة تضخم تصاعدية. والدرس المستفاد هنا عن العدو، هو أنه ربما يتعين على المستثمرين الانتباه إلى الأسعار في المتاجر التي يترددون عليها، أو مراقبة التغيرات الحاصلة في أنماط حياة جيرانهم وأصدقائهم الاستهلاكية إن أمكن، مثلما يفعلون مع متغيرات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أو بنك كندا، أو إنجلترا.

هناك نقطة يتعين توضيحها كذلك، وهي أن الأسهم لا تنخفض دائماً في أوقات التضخم، لأن المستثمرين بهذه الحالة يُفعّلون وضعية «البيع الكامل» تقريباً بسبب ارتفاع الأسعار، وعليه قد لا تعاني الأسهم التضخم. فبعض الشركات الصناعية، وتلك التي تعمل في قطاع الرعاية الصحية، تحتفظ ببعض القوة التسعيرية لأسهمها. كما يمكن لبعض القطاعات الأخرى، مثل المواد والطاقة، الاستفادة بشكل كبير من التضخم.

بشكل عام، بلغ متوسط عوائد الأسهم السنوي حوالي 8 % في الأوقات التاريخية للتضخم ومعدلات الفائدة الأعلى، وكان الاستثناء الأكبر في منتصف السبعينات. وهي ليست نسبة رائعة مقارنة ببعض السنوات، مثل عام 2021، لكن 8% ليست كارثة بكل الأحوال. ومع ذلك، لن تتوقع هذا أبداً اليوم، بناءً على حجم عمليات البيع التي شهدناها في أسواق الأسهم هذا العام.

هناك نظرية يطبقها المستهلكون فقط وبشكل غير مباشر لأنهم من يملكون الدخل تقول: «الأسعار المرتفعة هي أفضل علاج لارتفاع الأسعار». فعلى سبيل المثال، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، فإن كل 50 دولاراً إضافية تدفعها لملء خزان الوقود تعني 50 دولاراً أقل تنفقها في مطعم أو متجر. وبالتالي تؤدي الأسعار المرتفعة في نهاية المطاف إلى تلاشي الطلب. وهذه هي الطريقة التي يمكن أن تبدأ بها فترات الركود، حيث نشهد أسعاراً أعلى، وطلباً أقل، وإنتاجاً أقل، وتوظيفاً أقل أيضاً، إلى أن تنخفض الأسعار من جديد.

بالطبع، بعض المنتجات أقل حساسية لارتفاع الأسعار. وعادةً ما يُنظر إلى أسعار منتجات مثل الأدوية والهواتف المحمولة على أنها غير مرنة، كما أن هناك الكثير من الصناعات التي ستشهد تلاشياً بطيئاً في الطلب مع رفع الأسعار. ويمكن أن يؤدي هذا إلى ضغط حاد للهامش وانخفاض الأرباح مع تعثر المبيعات (لكن تكاليف المدخلات لن تتأثر). والدرس المستفاد هنا للمستثمرين: كن حذراً من تلك الشركات التي تبيع منتجات عالية الهامش وغير أساسية.

أخيراً يظل التنويع أحد أفضل الاستراتيجيات لمحاربة العدو. فبعد أن لاحظنا أن التضخم ليس سيئاً دائماً للأسهم، سيساعدك تنويع المحافظ على المواجهة. فمثلاً، عندما ارتفعت أسهم شركات الطاقة هذا العام والعام الماضي، من المحتمل كثيراً أن يكون أداء المستثمرين ممن قرروا عدم الانكشاف للطاقة في عام 2020 ضعيفاً بشكل خطير حالياً. والأمر نفسه تماماً مع المعادن والذهب، فهي قطاعات لم تتحرك بطريقة مؤثرة لسنوات، ولكنها تضاعفت الآن ثلاث مرات، مما عوض ألم السوق في أماكن أخرى.

فطالما أنك لا تستطيع التنبؤ بالمستقبل، من الأفضل أن تظل متنوعاً. والتعرض لجميع قطاعات السوق يمنحك أفضل فرصة لبعض الربح في محفظتك في جميع الدورات الاستثمارية.

* مؤسس ورئيس قسم الأبحاث في «5i ريسيرش»

*فاينانشال بوست

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"