عنف السياسة

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تعكس التطورات الأخيرة التي شهدتها سريلانكا جانباً من جوانب العنف المرتبط بالسلطة السياسية، وصراعاتها المأساوية، ونهاياتها المفجعة في جمهوريات العالم الثالث.

 والمعروف أن الصراع السياسي يرتبط بالعنف حتى في النظم الديمقراطية، كونه يعد صراعاً يتعلق بحيازة السلطة والنفوذ، لكنه في العالم الثالث أشد عنفاً وضراوة، بسبب هشاشة التجربة الديمقراطية، وجشع الساسة والحكام والمعارضين.

 وفي طليعة أنواع العنف السياسي، يبرز العنف الذي تمارسه السلطة الحاكمة ضد مظاهر الاحتجاجات الشعبية الغاضبة من فشل برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية في تحقيق مطالب المواطنين، وزيادة التفاوت الطبقي، وعجز الدولة عن تلبية الحاجات الأساسية للمحكومين، وفشلها في إدارة الأزمات المجتمعية. والسلطة الغاشمة تعد أي احتجاجات شعبية ترفع مطالب الإصلاح أو تطالب بالحقوق، تهديداً لها، وهي تمارس العنف باستخدام وسائل القوة المتاحة لها من جيش وشرطة وأجهزة أمن، لضمان استدامة حيازتها للسلطة، وإخماد الحراك المطلبي الجماهيري.

 وهذا النوع من العنف الحكومي يفرز بالضرورة عنفاً مضاداً، ومواجهات تعصف بالاستقرار، وتطيح النظم القائمة التي تتشبث بالبقاء حتى آخر رمق. وما يحدث في سريلانكا هذه الأيام هو المظهر الأبرز لنقطة الذروة التي بلغتها الممارسة المتبادلة للعنف والعنف المضاد.

 لقد كان قادة الحكومة يعيشون في رفاهية، بينما كان الفقر وصعوبات الحياة تسحقان الطبقات الشعبية؛ بسبب السياسات الخطأ التي أفرزت أزمات في كل أساسيات الحياة. وعندما بدأ التململ الشعبي واندلعت الاحتجاجات المناهضة في مايو/ أيار الماضي، واجهتها السلطة بالعنف المفرط. وكان هذا العنف بالذات مع تعاظم أزمات المعيشة، سبباً في تعاظم الغضب وحركة الاحتجاجات.

 وانتهت المعركة في النهاية بهزيمة الطبقة الحاكمة، وفرار الرئيس واختفائه ثم إعلانه في وقت لاحق مع رئيس وزرائه استعدادهما للتنحي عن الحكم. وعلى الرغم من أن هروب الرئيس جوتابايا راجاباكسا، أمام زحف الحشود الغاضبة كان الخطوة الصحيحة، لتفادي المزيد من إراقة الدماء، الا أن هذه الخطوة تأخرت كثيراً.

 لقد سنحت فرص عدة لخروج آمن ومشرف للرئيس من المشهد السياسي خلال تفاعلات الأزمة السياسية، لكنه أهدرها واحدة بعد الأخرى، وفي المقابل اعتبر أن بامكانه السيطرة على الهبّة الجماهيرية باستخدام العنف المبرمج.

 وبدأت عناصر الشرطة في إطلاق الرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع عشوائياً على حشود المتظاهرين السلميين، وبينهم أطفال. وزادت هذه الوحشية من اشتعال النار وتوسعها، لتشمل كل أقاليم البلاد، بدلاً من أن تؤدي إلى احتواء الغضب وإحكام السيطرة على الجموع.

 كان من الممكن أن يعلن الرئيس تنحيه في اللحظة التي بدأ فيها تساقط المتظاهرين قتلى برصاص الجنود. كانت تلك لحظة مناسبة للاستماع إلى الضمير وصوت الشعب الذي يحكمه. لكنه كان يؤمن بقدرته على كسب المعركة وهزيمة شعبه، كما هزم من قبل حركات التاميل المتمردة في حرب نصّبه بعدها الشعب السريلانكي بطلاً قومياً. لم يدرك الرجل في ذروة إحساسه بالقوة والغرور أنه ليس بإلامكان البقاء في السلطة رغماً عن الشعب الغاضب. وأنه ليس من الممكن هزيمة الشعب في معارك البقاء.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"