الأمور الناجحة والممكنة

00:49 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

لم يعد ممكناً تفادي الحديث عن المناخ وتداعياته الكارثية على الدول والشعوب وعلى الكوكب الأرضي بشكل عام. لم يعد ممكناً للحكومات والزعماء والسياسيين، القفز على هذه الأمور الحيوية التي تهدد الحياة والناس، فالخطر الذي كان بعيداً بات قريباً ووشيكاً، واتسع نطاقه ليشمل القارات الخمس.

موجات حر غير مسبوقة في أوروبا والصين تزامناً مع حرائق غابات وفيضانات وعواصف وأعاصير في آسيا وأوروبا والأمريكيتين وأستراليا، بينما تعاني المنطقة العربية والإفريقية موجات جفاف وقحط مدمرة، وتواجه بعض دول المحيط الهادئ خطر الاختفاء كلية، مع ارتفاع منسوب البحار والمحيطات.

لم يعد التغافل عن هذه المخاطر ممكناً، فقد أصبح الخطر يهدد الجميع في الدول الكبرى والصغرى وأصبحت رؤيته واستشعار تهديده متاحة أمام الجميع، وبات إنكاره مستحيلاً. وربما تتركز ثقافة القرن الحالي، بشكل كبير، على هذه القضية التي ظلت لسنوات طويلة مهملة، وعلى هامش اهتمامات النخب السياسية والثقافية، وطبقات المجتمع الشعبية.

وعلى الرغم من جسامة الخطر الذي بات يهدد البشرية، فإنه يتعين على وسائل المواجهة لتخفيف آثاره، أن تتميز بالتكامل والشمول. فهناك العديد من الأمور الممكنة في إطار المجابهة على مستوى الأقطار والحكومات لا يتم التعامل معها بالجدية اللازمة. ويعني ذلك ضياع العديد من الفرص السانحة، وسط ضجيج صرخات حكومات الدول الفقيرة واستغاثاتها للنجدة والإنقاذ، كما أن ضعف الالتزام بالقرارات والتعهدات من قبل الدول الصناعية الكبرى يسهم في تفاقم حجم الكارثة، ويسرّع دحرجة العالم نحو هاوية الاحتباس الحراري.

وبالنسبة لهذه الدول التي تتحمل مسؤولية التدهور والاختلال المناخي بسبب أنشطتها الصناعية، فإن القضية تتعلق بالجدية في خفض انبعاثات غاز الدفيئة المسؤول عما يقرب من نصف صافي الاحتباس الحراري. وتحذر دراسة حديثة من أن العالم يوجّه 10% فقط من التمويل المخصص للمناخ العالمي نحو الحدّ من انبعاثات هذا الغاز، بما يعادل مئة مليون دولار فقط من أصل 11 مليار دولار مخصصة للحفاظ على مسار منع الاحترار. وهو مبلغ هزيل بالتأكيد ولا يؤدي إلى منع الكارثة المحدقة، بينما تقول الدراسة أيضاً، إن العالم بحاجة إلى مضاعفة إنفاقه عشر مرات إلى 110 مليار دولار سنوياً، لتجنب أسوأ تداعيات المناخ.

فهذه الدول مطالبة بإبطاء وتيرة التصنيع الاستهلاكي والأنشطة الأخرى التي تستخدم النفط والغاز والفحم، وتشجيع استخدام الطاقة الخضراء، وهو أمر ممكن ويحقق حسب الدراسات المكاسب ذاتها التي تتحصل عليها هذه الدول، علاوة على أنه يقدّم مساهمة حاسمة في إنقاذ الكوكب من تداعيات المناخ المتطرف.

أما بالنسبة للدول الفقيرة المهددة، فإن هناك العديد من الأمور الممكن القيام. ومن المهم لقادة هذه الدول، التركيز على وقف الصراعات، وتشجيع مبادئ التعايش بين المجموعات العرقية. ومن المهم والممكن أيضاً، تقوية منظمات المجتمع المدني وتشجيع مبادراته وتعزيزها والاستثمار في الخطط المحلية والوطنية لاحتواء آثار نقص المحصولات الزراعية والهجرات القسرية للسكان. أمور كثيرة ناجحة يمكن القيام بها، بدلاً من الاستسلام وانتظار الدعم الدولي وبعد وصوله أيضاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"