إرث شينزو آبي

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

الأمر المفجع في حادثة اغتيال رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي، أن حادثة الاغتيال وقعت في بلد عرف عن شعبه أنه شعب مسالم وبعيد عن العنف، بعدما طوى حقبة مثيرة للجدل من تاريخه الإمبراطوري الصاخب. وهي صيرورة متكررة في الحياة. فسكان الدول الاسكندنافية الحالية المشهورون بالهدوء وحب الحياة والدعة، هم من أحفاد مقاتلي الفايكنج المرعبين الذين قال عنهم الأديب الطيب صالح إنهم لا يتورعون عن القتل وسفك الدماء ولا يهابون الموت.

 إن طبائع الشعوب تتغير ويمكن أن تنقلب إلى الضد. والحياة نفسها متغيرة وتحولاتها تزرع الجينات المهجنة في كل الشعوب والأمم. وقد تعرض اليابانيون إلى أقوى أنواع الوحشية مع نهاية الحرب العالمية الثانية وعلى مدى تاريخ الحروب عندما شاهدوا فظاعة الرعب النووي في مدنهم الرئيسية قبل أن يستسلموا للمنتصرين في الحرب.

 أما الأمر الثاني الذي قلل من حجم الفاجعة وحاصر تداعيات مخيفة كان يمكن أن تحدث، فهو أن عملية الاغتيال طالت رئيس حكومة سابقاً وليس رئيس الوزراء الحالي. وفي العادة فإن غياب الرؤساء ورؤساء الحكومات السابقين لا يطرح تهديداً للأمن والاستقرار الداخلي، أو تكون له تأثيرات خارجية خطرة. ومهما تكن الطريقة التي يغيب فيها المسؤول السابق، فإن مشاعر الصدمة والحزن على غيابه، وليس الخوف على الاستقرار، هي التي تسود المشهد ثم تختفي بعد فترة من دون أن تخلف أثراً.

 ولنا أن نتخيل نوعية ردود الفعل المتسلسلة التي كانت لتحدث، في ظروف فوضى العالم الحالية، لو أن حادثة الاغتيال هذه طالت مسؤولاً في السلطة في دولة من الدول المحورية التي تساهم في أو تتحكم بسياسات العالم الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية.

 أما المفارقة في حادثة اغتيال شينزو آبي فهي تكمن في أن القاتل استند إلى معلومات خاطئة ومغلوطة قادته إلى إنهاء حياة الرجل. وهنا يبرز التطرف والجهل بوجهه الكالح. وتقول الشرطة إن القاتل تيتسويا ياماغامي، كان يشعر بالغضب على منظمة «كنيسة التوحيد»، لأن والدته تبرعت لها بأموال كبيرة، وانتقم لغضبه بقتل شينزو لأنه كان يعتقد أنه ينتمي لتلك المنظمة.

 إن الإرث الذي تركه رئيس الوزراء الياباني القتيل، هو إرث الحكمة والالتزام والحزم والنزاهة. لم يجئ اغتياله نتيجة خصومة سياسية أو بسبب احتجاج على خططه في إدارة السلطة. وتكشف هذه الحقيقة البسيطة رصيده من الثقة والولاء والاحترام لمسيرته السياسية وإنجازاته في الحكم.

 تولى شينزو رئاسة الوزراء على فترتين واستقال مرتين قبل إكمال ولايته بسبب المرض، لكنه قاد مسيرة إصلاحات طموحة لجعل اليابان «أقوى وأجمل». كما لعب دوراً حاسماً في رسم مكانة اليابان الدولية وعزز تحالفاتها مع الشركاء في المجالين العسكري والاقتصادي في مواجهة خصوم أقوياء. وسعى إلى إجراء تعديلات دستورية تتيح الاعتراف بالجيش الياباني، غير أن البرلمان عرقل هذا التوجه. ونجح في المقابل في تمرير قانون الدفاع الجماعي الذي يتيح تعبئة القوات في الخارج لمواجهة الهجمات المعادية ضد اليابان وشركائها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"