في ذكرى الزعيم مانديلا

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تمر الذكرى السنوية لميلاد الزعيم نيلسون مانديلا والقارة الإفريقية تعيش تحت سنابك الصراعات الأهلية والعرقية، وتخيم على العديد من دولها وشعوبها أشباح الموت وروائح الدم، وطواحين العنف التي عمل مانديلا خلال مسيرته الحياتية على الدعوة لتفادي ويلاتها المميتة، وتعزيز مبادئ السلام والتعايش والعدالة والمساواة.

ولن نذهب بعيداً في تجسيد المشهد الدموي الموسوم بالمجازر المتنقلة بين الأعراق في جنوب إفريقيا نفسها؛ موطن مانديلا بعد سنوات من رحيله وفي دول أخرى عديدة في شرق وغرب وجنوب القارة، حيث تسيل أنهار الدماء بسبب نزاعات القبائل والعشائر، وانتشار السلاح وسيادة خطاب الكراهية واحتقار الآخر.

إن القارة الإفريقية ودولها وشعوبها تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى المفاهيم والمبادئ التي صنعت الزعيم مانديلا. تحتاج إلى التحلي بتصميمه وتمسّكه الصارم بمبادئ السلام ونبذ العنف والكراهية، والتمسك بحكمته وعزيمته التي لم تفتر، وتحتاج إلى شجاعته في الانحياز لقيم العدالة والمساواة الإنسانية في المفاصلات التاريخية الحاسمة.

وفي الواقع، ليست فقط الشعوب الإفريقية، فهناك دول وشعوب عديدة في العالم أثخنتها الجراح واستنزفتها الصراعات ونزعات الانتقام. 

لقد كان تأثير الزعيم نيلسون مانديلا متجاوزاً للحدود الوطنية والقارية، وعابراً للعرقيات والانتماءات الدينية، واعتبرته أمم وشعوب العالم قائداً استثنائياً فذاً، وملهماً في شجاعته ونزاهته الشخصية، للقادة والأفراد والشعوب.

ولد نيلسون مانديلا في 18 من يوليو/تموز 1918. واعترافاً بإسهامه في ثقافة السلام والحرية، قررت الأمم المتحدة اعتبار تاريخ ميلاده يوماً عالمياً للعمل وإلهام التغيير. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، مانديلا، بأنه مدافع أسطوري عن الكرامة والمساواة والعدالة، ورجل استثنائي جسّد أسمى تطلعات الأسرة البشرية. وقال إن المجاهرة برفض الكراهية والدفاع عن حقوق الإنسان والتمسك بإنسانيتنا المشتركة، تمثل أفضل الطرق لتكريم إرثه.

والزعيم مانديلا ينتمي إلى إثنية الهوسا الإفريقية المسالمة، وهي واحدة من بين أكبر القبائل الإفريقية تعداداً، وتتمدد فروعها في كل دول غرب ووسط وجنوب القارة الإفريقية وشرقها. وللمفارقة، فإن ذكرى ميلاد مانديلا تزامنت مع احتدام خطابات الكراهية التي وضعت فروع القبيلة في بعض أجزاء السودان في مرمى نزاع دموي مع قبائل محلية أخرى، وهو صراع ما تزال نيرانه مشتعلة. 

وتوفي مانديلا في عام 2013، وقررت الأمم المتحدة إعلان تاريخ رحيله يوماً عالمياً للسلام والتسامح.

وتقول حفيدته نادليكا مانديلا، إن جدها عاش حياة كاملة ورث فيها الكثير عن والده، خاصة التفاؤل والسعادة على الرغم من الصعوبات، فضلاً عن أنه كان يتمتع بإيمان عظيم ساعده على النجاة من كل المحن منذ طفولته وحتى أيامه الأخيرة، مضيفة أنه يذكّرها بما قاله المبشر بيلي غراهام: «إن أعظم تراث يمكن للمرء أن ينقله إلى أبنائه وأحفاده ليس المال أو الأشياء المادية الأخرى المتراكمة في حياة المرء؛ بل إرث الشخصية والإيمان».

لقد ترك مانديلا خلفه إرثاً في صيانة الكرامة الإنسانية، لا يضاهيه إلا ميراث الرجال العظماء في التاريخ الإنساني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"