عادي

الأدب.. بوتقة تصهر علم الاجتماع والتاريخ

19:29 مساء
قراءة دقيقتين
التحليل الاجتماعي للأدب

الشارقة - «الخليج»

منذ سنوات ليست بعيدة، أدرك عدد من علماء الاجتماع قصور منظور العلم الاجتماعي، على أن يحيط بالظاهرة الاجتماعية، ومن ثم حاولوا صياغة علم اجتماعي جديد، هو التحليل الاجتماعي للأدب وهي محاولة لدراسة الأدب من وجهة النظر الاجتماعية، وفق منهج ثلاثي يركز على: المؤلف من زاوية أصله الطبقي ومهنته وسماته الشخصية، والعمل الأدبي ذاته من زاوية الموضوعات التي يعالجها، والشخصيات التي يزخر بها، والجمهور، وذلك لدراسة كيف يتقبل الجمهور العمل الأدبي.

في هذا الإطار تأتي دراسة الدكتور السيد يس وعنوانها «التحليل الاجتماعي للأدب» باعتبارها دراسة رائدة في هذا الاتجاه، لسد الفجوة بين الخطاب العلمي والخطاب الأدبي، فالباحث الاجتماعي يحتاج إلى قراءة الأدب، الذي لا يقل أهمية عن العالم الاجتماعي، بحكم حساسية المبدع المرهفة، وقدرته على التقاط جزئيات الحياة الاجتماعية، وعلى تشريح نفسيات الأفراد، وعلى تعقب مراحل التغير الاجتماعي، وانعكاساتها على القيم والسلوك والتوجهات.

وإذا أخذنا الروائي باعتباره مؤرخاً اجتماعياً من ناحية، وناقداً اجتماعياً من ناحية أخرى، كما يقول السيد يس، فإن الإشارة إلى الإنتاج الغزير للروائي نجيب محفوظ تكفي للدلالة، فقد استطاع محفوظ أن يكون المؤرخ الاجتماعي لمصر المعاصرة، بغير منازع، وفي مرحلة لاحقة الناقد الاجتماعي، هل يستطيع من لم يقرأ الثلاثية من بين علماء الاجتماع أن يفهم تغير المجتمع المصري من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث؟

الثلاثية ملحمة متكاملة زاخرة بالوقائع والأحداث والأنماط الإنسانية، حافلة بالصراع الاجتماعي والصراع الأيديولوجي والصراع السياسي، تختلط فيها مشكلات التحديث من النضال في سبيل الاستقلال، وتتزاحم الشخصيات في سعيها للتكيف مع التغيرات الاجتماعية سريعة الإيقاع، وفيها هذا السعي الفردي إلى الخلاص، في ارتباط حميم مع السعي الجماعي إلى الاستقلال وبناء النهضة.

نجيب محفوظ وغيره من المبدعين، يحتاج إلى دراسة متعمقة من جانب الباحثين في العلوم الاجتماعية، هؤلاء الباحثين الذين يظنون وهما، أنه يمكنهم أن يختزلوا الظاهرة الاجتماعية في رقم، أو يمكن أن ينفذوا إلى أعماقها من خلال ملاحظة سطحية أو أسئلة تافهة، تلقى كيفما اتفق، وتصاغ الإجابات بعد ذلك في تقرير علمي ضحل، لا يضيف شيئاً إلى معلوماتنا، ولا يرهف إحساسنا بنبض المجتمع.

ليس غريباً أن يشعر أحد علماء الاجتماع بالأزمة، فيكتب كتاباً بعنوان «علم الاجتماع باعتباره شكلاً من أشكال الفن» يحاول فيه أن يتحدث عن أهمية الاستعارة والمقارنة والسخرية في التحليل الاجتماعي، وهل يمكن لغير الأدب أن يمدنا بكل هذا الفيض الزاخر من الأوصاف والتحليلات العميقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5bkhm52d

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"