مارلين سلوم
تريد أن تخرج من إطار الواقع الذي يحكم الطوق بأزماته الكثيرة والمتعددة على العالم كله، فإما أن تبحث عن عمل يضحكك، وما أندر الضحك الآتي من الأعماق في هذا الزمن السطحي، وإما أن تهرب إلى الماضي، وما أجمل هذه الرحلة إذا كانت على متن عمل يقوده محترفون يفتحون أمامك صناديق كنوز «أم الدنيا»، ويتركونك تعيش الإبهار بكل معانيه وتفاصيله.
الإبهار يولد من عظمة التاريخ وعظمة ما تركه من توالوا على عرش مصر وحكمها من إبداع، زمن كان كل شيء فيه ابتكار، كل شيء يصنع لأول مرة، حتى طقوسهم الغريبة تدهشك، وتكتشف أن كثيراً منها توارثناه عنهم، نردد من بعدهم أقوالاً، ولا ندرك أصولها وحقيقة معانيها.
«أم الدنيا» حلقات يوثق فيها محمود رشاد كتابة وإخراجاً حكاية أم الدنيا مصر، لا كلام إنشائي ولا افتكاسات وبهارات؛ بل حقائق يستند فيها إلى المعلومات الموثقة والمؤكدة، ويستشير فيها باحثين
يقول رشاد: إن العمل على فكرة سلسلة أم الدنيا استغرق نحو ثلاث سنوات، «الكتابة استغرقت ستة أشهر، والتحضير نحو عام كامل، بينما التصوير الفعلي استغرق شهرين، والمونتاج خمسة أشهر تقريباً»، وحين ترى النتيجة على الشاشة أو بالأحرى على منصة «واتش إت» التي تعرض السلسلة حصرياً، لا تملك إلا أن تثني على المجهود، وتصفق لمحمود رشاد أولاً، لأنه فكر في تقديم التاريخ وعظمة الحضارة المصرية القديمة لنا ولأبنائنا وللعالم بهذا القالب الجميل، فنادراً ما يقبل الشباب والأطفال وحتى الكثير من الكبار على مشاهدة الأفلام الوثائقية، لأنها تكون عادة مادة «جافة» وكأنها تعليمية موجهة بشكل أكاديمي للمشاهد، بينما منح رشاد هذه السلسلة روح أم الدنيا، وطعمها بالمعلومات الموثقة بحضور شخصيات دارسة وباحثة في التاريخ المصري والفرعوني، مع بعض اللقطات التمثيلية لتقريب المسافة بين الخيال والواقع، بين الماضي والحاضر.
أضف إلى كل ما سبق حضور النجمة سوسن بدر بأدائها الجميل بالصوت والإحساس، إلى جانب ملامحها المصرية المطابقة لمضمون وروح هذا العمل.
التصوير من فوق ومن داخل هذه الأهرامات والمعابد والمتاحف وكل الأماكن الأثرية والانتقال بنا من مكان إلى آخر، على طول امتداد المعالم السياحية لهذه الحضارة المصرية العظيمة، في القاهرة والأقصر وسوهاج وقنا وأسوان.. جداريات وخرائط ورسومات ووثائق.. حلقات تستحق أن نشاهدها مرة ومرتين؛ بل عشرات المرات.
