ثقافة بلا مثقفين

23:05 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد إسماعيل زاهر

أين المثقف العربي؟ سؤال ملتبس ومراوغ، ويحمل في داخله أكثر من إشكالية، فإذا نظرنا إلى وسائل الإعلام، المكتوبة بالدرجة الأولى، سنجد الكثير من المثقفين يمارسون فعل الكتابة الدورية، وإذا تأملنا الحالة النشرية، سنعثر على عشرات الكتب والروايات التي تصدر كل يوم، في زيادة واضحة لمعدلات النشر، وحتى الترجمة تشهد انتعاشاً ملحوظاً، وإذا انتقلنا إلى مختلف مؤسساتنا الثقافية سيقابلنا نشاط واضح في مجالات عدة، ولكن الساحة الثقافية العربية تفتقد إلى شيء ما....إلى حركة..إلى قضية أو فكرة أو أطروحة..إلى نقاش حول مسائل جديدة تواجه مجتمعاتنا، وحول أفكار ومقولات قديمة لم تحسم بعد، نحن هنا أمام صورة معقدة، أمام ثقافة تنتعش على مستوى الكم، والذي يحتاج بدوره إلى تقييم، ولكنها تفتقد إلى الروح، أمام أفراد يكتبون وبغزارة ولكنهم لا يمارسون أدوارهم كمثقفين، وفق أي تعريف للمثقف، ببساطة نحن نعيش عصر ثقافة بلا مثقفين.

المثقف الآن ليس معزولاً ولا يعيش في برجه العالي، ولكنه توقف عن لعب دوره ك«مثقف»، وتوقف بعضهم حتى عن طرح قضايا كانت تبدو للبعض في وقت ما غريبة أو مجنونة، انسحب باختياره ولم يكن وراء ذلك الانسحاب أي من الأسباب المعهودة التي كان المثقفون في زمن سابق يرددونها. في عقود سابقة، خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت هناك لائحة يبرزها لك أي مثقف ليبرر صمته: التضييق على الحريات، العمل بالثقافة لا يطعم خبزاً، ولكن كان هناك في المقابل العديد من النماذج فائقة الموهبة استطاعت أن توصل أفكارها برمزية عالية في ظل التضييق، ونماذج ثانية أخلصت لفكرة الثقافة برغم ضيق ذات اليد، وفي أصعب اللحظات والظروف كان هناك مثقف يمارس دوره ويطرح أفكاره ويملأ الدنيا ويشغل الناس.

في مرحلة لاحقة اتسعت اللائحة السابقة، فقال البعض ثقافة الصورة ستقضي على الدور المعهود للمثقف، وذلك مع طفرة الفضائيات في تسعينيات القرن العشرين، وتزامن ذلك مع رواج مقولات عن «موت المؤلف»، و«سقوط النخبة»، و« مولد عصر الجماهير الغفيرة»، ووصل الحال بنقد المثقف إلى حدود غير مسبوقة، بل وردد البعض أن المثقف العربي يحتاج أكثر من البسطاء، إلى التنوير. كان نقد المثقف على أشده، في مختلف أرجاء الوطن العربي، ولكنها الحقبة التي شهدت أيضاً ازدهاراً واضحاً في الفكر وصعوداً لافتاً للرواية، والأهم من ذلك أن سيل أطروحات نقد المثقف كانت بتوقيع مثقفين آخرين.

الآن دخلت مواقع التواصل الاجتماعي إلى لائحة أسباب غياب المثقفين، ويقال إننا نعيش زمناً لا مكان فيه لهم، وإنهم لا يملكون أدوات تلك المواقع، وسيفشلون فيها لأنهم لا يعرفون ما يريده الجمهور، وهي المقولات نفسها التي رُددت في تسعينيات القرن الماضي مع صعود الصورة. وبالنظر إلى تاريخ الثقافة العربية، على الأقل منذ النهضة الحديثة، يحق لنا السؤال: ومنذ متى امتلك المثقف أدوات عصره؟ وهل كانت تلك السلالة الذهبية من المفكرين والروائيين والشعراء العرب تكتب وتسأل وتحاور وتتعارك، أي تنتج معرفة وتمارس دوراً مجتمعياً موزوناً، وفي ذهنها المستوى المعرفي للجمهور؟ هو سؤال حساس ويحتاج إلى نقاش، ولكنه ضروري وملحّ وموجه بالدرجة الأولى إلى الذين يبررون غياب دور المثقف الآن بصعود ثقافة الجمهور في مواقع التواصل.

المثقفون ليسوا منعزلين أو غائبين عن الإعلام، ولكنهم ببساطة توقفوا عن أداء أدوارهم كقادة فكر وأصحاب رأي ومؤثرين في الوجدان، وهذا التوقف يحتاج إلى نقاش واسع ومستفيض قبل أن نقع جميعنا أسرى مواقع التواصل الاجتماعي.

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37yyrphr

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"