العلم اليتيم

22:41 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد إسماعيل زاهر

يعاني علم الاجتماع في ثقافتنا أزمة كبرى، فما يشهده عالمنا العربي من تحولات متعددة ومتسارعة، يعتبر كنزاً معرفياً ينتظر الرصد والتحليل والخروج بنتائج يستفيد منها الجميع. ولكن قبل التجول في بعض مظاهر هذه التحولات، ينشأ سؤال، هل أزمة علم الاجتماع لدينا جديدة أم تمتد لعقود مضت أم متجذرة في ثقافتنا الحديثة؟، بمعنى أننا لم نهتم يوماً بذلك العلم، أم أن الأزمة تتعلق بمشكلة في طرائق إنتاج وتوصيل الأفكار، حيث تكثر أقسام علم الاجتماع في مختلف جامعاتنا، فضلاً عن العديد من المراكز البحثية المرتبطة بصورة أو بأخرى بهذا العلم، والتي لابد أنها تتوافر على كم ضخم من الدراسات لا نعلم عنه شيئاً.

لم يطرح أحد كبار مثقفينا نفسه في أحد الأيام بوصفه متخصصاً في علم الاجتماع، هناك المفكر والمؤرخ والمنظر، أي أن هناك مشكلة في رؤية النخبة نفسها لذلك العلم. وحتى تلك الأسماء التي مالت أطروحاتها بصورة ما إلى علم الاجتماع، مثل: علي الوردي وسيد عويس وعبد الكبير الخطيبي وحليم بركات، فقد تعاطت معه من منطلق ثقافي أو فكري عام، أما في الساحة الثقافية الأوسع فقد راجت مقولات أضعفت من تعاطينا مع ذلك العلم بمفهومه الأكاديمي أو التنظيري الموزون، منها مثلاً أن الأدب أقدر وسيلة للتعبير عن المجتمع ورصد تحولاته، في البداية كان الشعر ثمّ تحولنا إلى زمن الرواية، أي أن الأدب يكفينا ولا حاجة إلى علم الاجتماع. وهناك مقولة راجت وتؤكد أن معظم المناهج المستخدمة في علم الاجتماع غربية، وهي محبطة، ولا ندري لماذا ألصقت بعلم الاجتماع وحده؟، فمدارسنا النقدية والتاريخية والفكرية تستخدم المناهج الغربية بدورها.

كان علم الاجتماع في ثقافتنا الحديثة يتيماً، لم يلتقطه أحد المنظرين الذين أفنوا أعمارهم في التاريخ أو إعادة قراءة التراث، على سبيل المثال، وربما يكون هنا تحديداً سبب الأزمة، فرصد تحولات المجتمع والخروج منها بنظرية ما، يحتاج أولاً إلى أبرز ما تفتقد إليه النخبة ألا وهو الانخراط في الواقع والقدرة على قراءة القوانين التي تحركه، والتحولات التي تنتابه بين الحين والآخر، وظلت معظم الدراسات الأكاديمية في هذا العلم ذات طابع وصفي إمبيريقي كمي، تخلو من أطروحة شاملة أو مقولة تفسيرية.

الآن لا يمكن لمن يتجول في الشوارع ويشاهد تلك الوجوه الشابة التي تحيط به في كل مكان، أو يتابع مواقع التواصل الاجتماعي أو يجلس على مقهى ويستمع إلى حوار هنا أو هناك أو يقرأ أخبار الجريمة، أو يشاهد مستوى الحوارات في الدراما بأنواعها كافة إلا ويلاحظ تغيرات بنيوية تعصف بمجتمعاتنا. في كل مكان هناك سلوكيات جديدة وأفكار مختلفة، وحتى قيم أخلاقية تتطلب التحليل، يكتب الكثيرون عن هذه الظواهر، البعض يرحب بالجيد منها والمعظم ينتقد وينبه ويدق ناقوس الخطر، ولكن هذا لا يكفي، ولا يكفي أيضاً أن نلقي بالمسألة على عاتق الأدب والفن، صحيح أن من ضمن وظائفهما التعبير عن قضايا المجتمع، ولكنه في النهاية تعبير جمالي يتأثر بتلك التحولات، ولكنه لا يفسر أسبابها، أو يقدم رؤية شاملة لها.

هناك ثقافة جديدة تتشكل في الأفق لا تخصنا وحدنا، ولكنها تجتاح العالم بأكمله، ولكن ما يهمنا هنا أن ثقافتنا تتميز بخصوصية ما، من هنا ضرورة وأهمية علم الاجتماع لنا. نحن نحتاج إلى مغامرة خلدونية تصلنا بما انقطع من ذلك العلم الأقدر على تحليل التحولات التي تتسلل إلى أفكار البشر ومنظومتهم القيمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ek49r9c

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"