عادي

سكان البرج العالي

22:54 مساء
قراءة 6 دقائق
7

استطلاع: نجاة الفارس

ماذا يريد الإعلام من المثقف؟ ولماذا الساحة الإعلامية الثقافية تخلو من أي قضية أو أطروحة مثيرة للنقاش، على الرغم من أنها مفتوحة للمثقفين؟ وماذا عن منصات التواصل الاجتماعي التي تخلو منهم أيضاً؟، يؤكد عدد من الكتّاب الإماراتيين أن المثقف منعزل، لأنه يعيش في عالم خاص، لا يدركه مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي، فهو يريد الهدوء والصمت والخلوة مع الذات والتأمل، فالكتابة تحتاج إلى التركيز والقراءة بعيداً عن ضجيج منصات التواصل، مبينين أن على المثقفين والإعلاميين مسؤولية توجيه الثقافة للجميع، وتقديم الوجبة الثقافية التي تناسب الكل؛ حيث إن مفهوم المثقف تغير كثيراً في هذا العصر، متأثراً بالحتمية التكنولوجية وتأثيرات التقنيات الحديثة في طريقة نشر المعرفة والتلقي والتفاعل معها، كما أن الإعلام يريد مثقفاً مرناً، متخصصاً، قادراً على جذب الجماهير، والتماهي مع ذائقتها المتغيرة باستمرار.

تقول القاصة والروائية فاطمة سلطان المزروعي: «الإعلام يريد من المثقف أن يحترم عقلية القارئ، ويقدم ما يرفع من ذائقته؛ فالثقافة والإعلام متداخلان، لأن المثقف إعلامي، والإعلامي لا يكون ناجحاً ومتمكناً من أدواته إلا إذا كان مثقفاً، وهذا التداخل يبني أواصر التميز، ويكمل أحدهما الآخر، فالمثقف يبدع من بنات أفكاره، ويواصل الليل مع النهار في القراءة والبحث عن المعرفة، ويأتي الإعلامي بمادة اجتمع على دراستها مع فريق عمل، لرسم ملامح ذلك المثقف، ومن حقه كإعلامي أن يحصل على خلاصة ما ينتجه المثقف، فالثقافة ليست حكراً على أشخاص معينين، فهي تشمل جميع أفراد المجتمع».

وتضيف، من الضروري إيجاد قضايا اجتماعية هادفة يسلّط عليها الضوء، ويمكن استلهامها من الأنشطة التي تقدم في كافة إمارات الدولة، هناك مثلاً الحديث عن إيجابيات وسلبيات منصات التواصل الاجتماعي، أو طرح حلول لإدمان الألعاب الإلكترونية، أو طرح قضية اجتماعية تهم شريحة الشباب، والاهتمام بالبحث في التاريخ الإماراتي والتراثي، والمقابلات الشفاهية مع كبار السن، وغيرها من القضايا التي تهم الشاب الإماراتي المثقف، واستثمار الوقت وتفعيل مجالس الشباب، وإشراكهم في جميع مفاصل المجتمع وقضايا التوطين وغيرها.

عقلية خاصة

وتوضح المزروعي، أن منصات التواصل الاجتماعي تخلو من المثقفين، لأنها تعتمد على الصورة والبهرجة والشكل والموضة والتصوير، وهذه المجالات ليس لها علاقة بالمثقف الحقيقي، لقد غيّرت منصات التواصل الاجتماعي اليوم الكثير من المفاهيم والأفكار، فلم تعد الثقافة تستمد من الكتب مثل السابق؛ بل هناك تعددية معرفية، وانفتاح كبير على فضاء وسائل الإعلام الحديثة، فالمطلوب من الكاتب اليوم أن يتحدث في كل شيء، ويُفتي في مختلف المعارف، ويسعى إلى الشهرة على حساب المحتوى؛ لقد غيّرت منصات التواصل أداور الكاتب، فصارت قائمة فقط على استعراض الصورة، من دون التركيز على دوره الحقيقي في التعبير عن قضايا مجتمعه، إننا اليوم بحاجة إلى المثقف الحقيقي الذي يلتفت إليه الشباب، ويعرف كيف يبث الإلهام في داخلهم، ويساعدهم على اكتشاف مواهبهم، ويكون قريباً من أفكارهم، وينطلق معهم ليخلق عالماً جديداً من الأفكار المبدعة، نعم نحن اليوم بحاجة ماسة إلى تلك العقلية التي تعرف كيف تتعامل مع هذا السيل المعرفي، نحتاج إلى من يلهمنا في تنمية مهاراتنا وقدراتنا الفكرية والعقلية بانفتاح وتنوع ومحبة وشغف.

وتذكر، المثقف منعزل، لأنه يعيش في عالم خاص لا يدركه مستخدمو منصات التواصل الاجتماعي، فهو يريد الهدوء والصمت والخلوة مع الذات والتأمل، لأن الكتابة تحتاج إلى التركيز والقراءة بعيداً عن ضجيج منصات التواصل؛ كما أن الوقت بالنسبة للكاتب المبدع مهم جداً، وكل يوم بالنسبة له يشكل فرقاً مع إبداعه وتراكماته المعرفية، أما مجتمع منصات التواصل الاجتماعي فتصاحبه دعايات وصخب وضوضاء وضجيج فارغ وإزعاج قاتل، وشائعات وتزييف في الحقائق، وهذا العالم لا يناسب الكاتب المبدع، فالمثقف الحقيقي لا يهتم لهذا العالم، ولا يحتاج إلى حسابات في منصات التواصل، ولا إلى إعلانات ولا حسابات وهمية تشهره وغيرها من وسائل الدعاية التي لا تفيده؛ الكاتب الحقيقي يكتب بروح شفافة، ويعكس مشاكل وموضوعات وقضايا المجتمع في كتابته، فهو مرآة لمجتمعه وهمومه وآلامه وقضاياه، يكتبها ليفيد جميع متابعيه وفئات المجتمع.

ثمار

الروائي سعيد البادي، يقول: «هناك علاقة حميمة ومطردة بين الإعلام والثقافة، فكلاهما يحتاج إلى الآخر، لكننا لا نرى فعلياً ثمار تلك العلاقة، ربما لأن الإعلام مشغول بأشياء أخرى غير الثقافة، ومع ذلك يطالب الإعلام المثقف أحياناً بطرح القضايا الثقافية للنقاش إعلامياً، لكنه لا يعطي المساحة أو الحرية لطرح تلك القضايا، لتصبح العلاقة شائكة ومعقدة، ويترسخ انشغال الإعلام خاصة مع الاتجاه المجتمعي نحو منصات التواصل التي أصبحت في جيب كل شخص، ولكن لننظر من زاوية أخرى فالإعلام مؤسسي، ونحن نتحدث عن المثقف بصفته الفردية؛ لذلك أرى أن هناك مسؤولية تقع على عاتق المؤسسات الثقافية، التي لم تنتبه لدورها كمسوق للمثقف الذي يفترض أن يسهم معها في تسويق المنتج الإبداعي للثقافة المحلية، فالمؤسسة الثقافية عندما تسوق المثقف فإنها تسوق لمنتجه الإبداعي وليس لشخصه؛ لذلك لا نرى نتاجنا الأدبي والفكري يصل إلى خارج حدود الوطن، أو يترجم إلى اللغات العالمية ليرانا الآخر، المؤسسات الثقافية مسؤولة عن إبراز دور المثقفين إعلامياً، وليس على المثقف أن يلهث وراء الإعلام للحصول على تغطية لنشاطه أو نتاجه الإبداعي، أليست تلك علاقة شائكة ومعقدة على الرغم من حميميتها؟».

ويضيف هناك مغالطة عندما نقول: إن الساحة الإعلامية الثقافية مفتوحة للمثقفين، فكما ذكرت العلاقة شائكة نوعاً ما، فبنظرة فاحصة على الملاحق الثقافية إن وجدت، نجد القليل من مشاركات المثقف المحلي في مقابل الكم المستورد، هناك فجوة سببها غياب التواصل وعدم وجود شراكة فعلية بين المؤسسات الثقافية والإعلامية.

ويوضح البادي أن منصات التواصل لا تخلو من المثقفين، إلا أن متابعيهم قلة لأنهم يقدمون مادة نخبوية، في حين الناس مشغولة بالغث والسمين الذي يظهر في منصات التواصل الاجتماعي بتسارع لا يمكن إدراكه، وعلى المثقفين والإعلاميين مسؤولية توجيه الثقافة للجميع، وتقديم الوجبة الثقافية التي تناسب الكل.

ويقول: «أتابع بعض الزملاء على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، ورأيت زميلاً شاعراً يقدم أشعاره بذائقة ثرية رائعة على منصة «تيك توك» لكن كم هو عدد متابعيه الذين يستمعون له، وفي «تويتر» أتابع زملائي الكتّاب، وأرى عدد الإعجابات لا يزيد على عدد أصابع اليد الواحدة، هناك فرق بين المؤثرين والمشاهير وبين المثقفين والفرق هنا في طريقة الطرح».

لغة العصر

الكاتبة والإعلامية صفية الشحي، تقول: «مفهوم المثقف تغير كثيراً في هذا العصر، متأثراً بالحتمية التكنولوجية والتقنيات الحديثة على طريقة نشر المعرفة والتلقي والتفاعل معها، الإعلام يريد مثقفاً مرناً، متخصصاً، قادراً على جذب الجماهير والتماهي مع ذائقتها المتغيرة باستمرار، المثقف الشاب المنفتح على خيارات صناعة المحتوي الجديدة ومنصاته، القادر على بيع ساعات البث ومساحات الصحافة المقروءة الإلكترونية، مثقف يكتب بلغة العصر الرقمية، ويستفيد من أدواته. سبب خلو الساحة الإعلامية الثقافية من أي قضية أو أطروحة مثيرة للنقاش، لأنها ليست قضايا العصر الذي نعيشه ولا تلامس ما يحتاج إلى معرفته هذا الجمهور، فالذكاء يكمن في تبسيط العميق لا أن يصل إلى درجة الاستخفاف وإنما يصل إلى درجة ملامسة عاطفة المتلقي واحتياجاته اليومية»، موضحة أن المثقفين الذين اعتزلوا منصات التواصل اتخذوا قراراً بالانسحاب، لأنهم عجزوا عن مواكبة هذا الركب السريع المتغير والمتجدد وغير المفهوم، المثقف بطبعه يبحث عن مساحة تملأ حاجته إلى التمدد فكرياً ومعرفياً، وإلى الغوص في أبعاد فلسفية كثيرة لم تعد تجد الكثير من الإقبال، هناك نمطية كانت سائدة لسنوات كسرتها منصات التواصل الاجتماعي، إلا أن بعض المثقفين قفزوا على هذه النمطية، ووجدوا ضالتهم في التحور والتجدد وتقديم المادة الثقافية بأسلوب عصري وأكثر خفة.

تشابك الواقع

الكاتبة والإعلامية السعد المنهالي، تقول: «لا توجد أجندة واضحة لدى الإعلام بشكل عام بخصوص المثقفين، إلا ما ندر، وكل ما يحدث هو ردة فعل، غير أن الصحافة المكتوبة وعلى وجه الخصوص لها موقف أكثر وضوحاً في هذا الشأن، ولكنه يبقى محدوداً في نطاق القضايا الفكرية العامة، كما أن ما ينعكس في صحفنا عن الواقع الثقافي هو تغطيات عامة للأحداث الثقافية التي تقوم بها مؤسسات رسمية».

وتضيف بأن تشابك الواقع المعاش وتعدد القضايا وتسارع المستجدات وتنوع المنصات عوامل تُصعب فرص التركيز على قضايا بعينها والتعمق في أطروحات، ولا يمكننا أن نرى ذلك إلا في المؤتمرات والندوات وهذا أيضاً نادر، كما أن احتياجات الناس المتسارعة أكبر شاغل، فلا تجعلهم يلتفتون إلى القضايا التي لها تأثير طويل المدى كالقضايا الثقافية.

وبخصوص منصات التواصل والمثقفين تقول: لا أعتقد أن المثقف منعزل عن هذه المنصات، بالعكس تماماً، في الإمارات يوجد مثقفون يقدمون رؤاهم الفكرية حول كثير من مستجدات واقعهم، ورأينا تغريدات لأساتذة جامعة وكتّاب ومفكرين يتم تداولها على نطاق واسع ويحدث حولها جدل ونقاش.

دور تفاعلي

القاص والروائي حارب الظاهري، يقول: المثقف المحور الرئيسي في المنظومة الثقافية والاجتماعية والإعلامية وهو حراك الفكر والمحرك المساند في قضايا الأمة والتفاعل المجتمعي والحضاري، وإذا أخفق المثقف أو ابتعد عن دوره ورؤيته وعمله، يصبح من دون مهمات ولا أهمية لحضوره في الإعلام

ويذكر أن منصات التواصل من دون ميثاق ثقافي ومن دون تصورات فكرية، يختلط فيها رواد الثقافة وغيرهم، والكل فيها يقوم بدور المثقف ولا يخدم الثقافة في شيء، موضحاً أن المثقف الحقيقي لا ينعزل إذا كانت الساحة الثقافية صحية ومؤثرة وتدعو إلى التفاعل المؤثر من دون شروط وقيود، ولا ينبغي للمثقف أن يبتعد أمام التحولات المجتمعية الكبيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/59f9cfef

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"