ميسون أبوبكر
المكتبات بيوت الكتاب، وفردوس روادها، شرايين الفكر وعناوين الثقافة، هوية الكاتب وتأشيرة سفر القراء بلا إجراءات وتعقيدات وطوابع حكومية.
إغلاق مكتبة «الساقي» في لندن أصابت الأديب العربي برصاصة في القلب، فبعد أن واجهت المكتبة ما واجهته، وكانت في أعوامها الأخيرة كإنسان مريض بحاجة إلى نقل دم دائم، توقفت أجهزة التنفس عنها والمساعدات التي لم تكفِ لتستمر حكاية الساقي في الناحية الغربية من لندن بشارع «وستبورن غروف»، بعد أن عاشت لأربعة وأربعين عاماً سفيرة للثقافة العربية ووجهة لجيل كان على علاقة عشق بالحرف والأدب، حيث كانت المكتبة داراً مفتوحة لزوار لندن، يزهر المكان بهم، وتنتعش المكتبة بحركة الشراء، على عكس الحال اليوم كما تقول سلوى غاسبارد، المديرة والمالكة، بأن جيل الشباب لا يتوقفون عند مرورهم على المكتبة كما فعل آباؤهم.
ولا شك في أن الأحوال الاقتصادية أثرت كثيراً بل هي السبب الرئيس لإغلاق هذا الصرح الثقافي الذي كان يشرق بكتّابه في سماء لندن المكفهرة بالضباب.
كأن الساقي في لندن اغتيلت، وتوقف نبضها في قلب العاصمة ذات الملامح العربية، لكثرة عشاقها من العرب والشعراء والدبلوماسيين الذين حملوا في حقائبهم أوراق اعتمادهم الوظيفي وأخرى أدبية نشرتها الساقي في بيروت وطارت لتستقر على أرفف شقيقتها في لندن؛ منهم الأديب الشاعر الروائي غازي القصيبي الذي نشرت الساقي معظم أعماله.
«حكاية حب» و «رجل جاء وذهب» هما من ضمن كتب مهمة حصلت عليهما ذات يوم من الساقي اللندنية وناقشت مؤلفهما القصيبي، رحمه الله، كيف له أن يكتب القصة ذاتها بروايتين واحدة على لسان بطلها يعقوب، والثانية على لسان روضة.
لندن حزينة وهي توشك أن تودع أهم معالمها التي فشلت أن تصمد كمحال الموضة والمطاعم، وكأن الكتب هي الخاسر الأول الذي لا يصمد أمام طوفان الاقتصاد، بينما تنتعش المجالات الأخرى.
نأمل ألا تنتقل عدوى الإغلاق لمكتبات أو دور نشر أخرى لها مكانها في الذاكرة الجمعية، ففي مصر يقصد الزائر المثقف «مكتبة مدبولي» التي أصبحت إرثاً مصرياً وسمة سياحية بامتياز، وفي الأردن لا يزال «كشك أبو علي» يتقبل بصدر رحب كاميرات المراسلين الذين يحرصون على التقاط تقاريرهم منه، فخير جليس في الزمان كتاب.
