عادي

القوي جلَّ جلاله

22:49 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل

كثيراً ما يوصف الإنسان بصفات تدل على معانٍ لا تتلاءم وحاله الضعيفة، ومن هذه الصفات أن يُنعت بوصف القوي، فهذا الوصف يتضمن شرطين أساسيين لمن يتصف به، أولهما أن يمتلك أسباب القوة وهي كثيرة قد تكون ملكاً للشيء أو إحاطة علم به، وثانيهما القدرة على الشيء من دون وجود معين؛ إذ إن الحاجة إلى المعين دليل على الضعف، وغير القادر ليس قوياً، والإنسان طبعه الضعف والحاجة إلى غيره، فيكون إطلاق لفظ القوي عليه من باب المجاز، والإنسان مهما بلغت قوته فهي محدودة في مجال معين، وحتى في المجال الواحد تجد أن قوة الإنسان فيه محدودة ضمن إطار لا يمكنه تجاوزه، فالقوة الحقيقية تستلزم قدرة وإحاطة بالشيء، وأن تكون كاملة غير محدودة، وهي لا تكون إلا لله، سبحانه وتعالى، المتصف بصفات الكمال.

القوي اسم من أسماء الله الحسنى، ورد في كثير من آي القرآن مقروناً باسم الله العزيز «فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منّا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز»، هود الآية: 66، والقوة ضد الضعف، والقوي معناه في حق الله القادر الذي لا يغلبه شيء، ولا يعجزه شيء، ولا يستحيل عليه شيء، لا يكون إلا ما يريد، ولا يكون ما لا يريد، يحتاج خلقه إليه، وهو لا يحتاج إلى أحد، ويفتقر العباد إليه وهو الغني عنهم، ويخضع العباد لأوامره وهو العزيز، أمره نافذ، وحكمه ماضٍ، أعز من خضع لأحكامه، وأذل من عاند شرعه.

القوي، سبحانه، مع قوته رحيم بعباده، فكم من عاص حاد عن تعاليمه ومع قدرته على أن يأخذه أخذ عزيز قوي منتقم، أمهله، وكم من مقصر في عبادته بسط له يده بالليل والنهار، فاتحاً له باب التوبة والأوبة إليه، علّه يعود إلى طاعته، والله، سبحانه، في ذلك يعلمنا أن القوة لا تعني أن يتسلط من يمتلكها على خلق الله؛ بل القوة تستدعي الرحمة بمن حولنا، أن يكون الإنسان عزيز الجانب رحيماً بالخلق، والقوة تعني أن يتصف الإنسان بها، وأن يسعى إلى اكتسابها في شتى مجالات الحياة فهي لا تشمل الناحية البدنية؛ بل تشمل نواحي عدة، ثم بعد أن يحوزها، عليه أن يسخرها في مرضاة الله ونفع عباده، والله، سبحانه وتعالى، يحب المؤمن أياً كانت حاله، لكن حبه للمؤمن القوي أشد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير..).

عندما يدرك الإنسان حقيقة معنى اسم الله القوي،فإن ذلك يبث في نفسه الطمأنينة؛ إذ كثيراً ما يقابل المرء في حياته عقبات فإن هو أدرك يقيناً قوة الله، أيقن أن الله قادر بقوته على إزالة تلك العقبات، كما أن التعرف إلى اسم الله القوي يحفز المؤمن على أن يكون قوياً في الحق، متصفاً بالرحمة، فليس القوي من يصرع الناس، وإنما القوي الذي يسخر قوته في مرضاة الله.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8aew37

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"