عادي

المتين جل جلاله

22:48 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
يدرك العبد المؤمن أن الله خالقه يتصف بصفات الكمال كافة، وعندما يقرأ في أسماء الله الحسنى يقف عند اسمين يظن للوهلة الأولى أنهما يحملان المعنى ذاته، وهما: القوي والمتين. وقد يقول قائل بما أن الله يتصف بالقوة، وصفاته سبحانه وتعالى مطلقة كاملة لا يعتريها نقص، فهو يتصف بالعلم المطلق، والقدرة المطلقة، والعزة المطلقة، والقوة المطلقة، فلا يعتريه سبحانه ضعف أو وهن، فلماذا وصف الله نفسه بالمتين، مع أنه وصف نفسه قبل ذلك بالقوي؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التعرّف إلى معنى كل منهما على حدة. قال الغزالي: «المتانة تدل على شدة القوة، فمن حيث إنه بالغ القدرة (القوي)، ومن حيث إنه شديد القوة متين». وقال الطبري: «ذي القوة المتين؛ أي ذي القوة الشديد». وقال أبو إسحاق الزجاج: «المتين: المتناهي في القوة والقدرة».

وقال الخطابي: «المتين: الشديد القوي الذي لا تنقطع قوته ولا تلحقه في أفعاله مشقة، ولا يمسّه لغوب»، فمن خلال التعاريف السابقة، يتضح أن القوي هو بالغ القدرة، ويأتي في سياق إهلاك الظالمين الذين ظنوا أن بإمكانهم بقوتهم الآنية المحدودة أن يخالفوا أمر الله ويدعهم في غيّهم يعمهون (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ). الأنفال: 52، (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). الحج: 74.

أما المتين فهو الشديد القوة، ذو القوة المتناهية، ولو وضعنا اللفظين (القوي والمتين)، وأردنا التعبير عن عظمة القوة وشدتها لكان المتين أبلغ دلالة وأشد معنى وأوضح. وقد ورد اسم الله المتين في موضع واحد (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، الذاريات 58. وفي هذه الآية طمأنة للعبد ألا يخشى الفقر، فالله هو الرزاق صاحب القوة لا يعجزه شيء، وهو القادر بقوته الشديدة التي أكدها بلفظ المتين، أن يسخّر الكون بأكمله للعبد، فمن يعد العبد بأنه سيرزقه هو الله القوي المتين الذي أمره بين الكاف والنون. وورد لفظ المتين في الرد على كيد الكفار ودسائسهم (وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)، الأعراف 183، وفي هذه الآية أيضاً طمأنة للعبد أنه مهما حاول أعداؤك أن يكيدوا لك فقدرة الله محيطة بهم، وأخذه لهم شديد متين، فقد يملي لهم الله في الحياة الدنيا، لكن إذا أخذهم لم يفلتهم.

عندما نتعرّف إلى اسم الله المتين، فإننا ندرك أنه مهما عظمت أمانينا، فإن الله القوي المتين قادر على تحقيقها، وهي دعوة لنسأل الله تعالى حاجاتنا مهما كبرت، كما أن التعرّف إلى اسم الله المتين يرشدنا إلى أن الله خلق فينا قوة ينبغي ألا نغتر بها، وأن نسخرها في مرضاة الله وخدمة عباده، فأحب العباد إلى الله أنفعهم لعباد الله.

اسم الله المتين يعلّمنا ألا نقطع الرجاء بالله، وألا نتكل على سواه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jvenprcr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"