عادي
أحد أبرز الفنانين السويديين

كارل لارسون.. الألوان تعزف قصيدة للريف

23:05 مساء
قراءة 4 دقائق
5
لوحة "إفطار في العراء"

الشارقة: عثمان حسن

كارل لارسون (1853 - 1919) كان رساماً سويدياً معروفاً، وتشمل أعماله قائمة من اللوحات التي أنجزها بالألوان المائية، وأيضاً الزيتية وله عدة لوحات جدارية، عرف لارسون بألوانه المائية الدافئة والشاعرية التي تصور حياة الأسرة الريفية في السويد، من لوحاته الشهيرة «قربان منتصف الشتاء» وهي لوحة كبيرة معروضة في المتحف السويدي للفنون الجميلة.

كانت ولادة لارسون في قرية قديمة في العاصمة استوكهولم، وهو ابن عائلة فقيرة، لم يعش حياة سعيدة، ففي كتاب للمؤرخة الفنية رينات بوفوجل يسرد تفاصيل من حياة كارلسون جاء: «تم طرد والدته من المنزل مع كارل وشقيقه يوهان، وبعد عناء تنقله في المساكن المؤقتة، انتقلت العائلة إلى غريف ماغنيغراد، فيما صار يعرف باسم أوسترمالم الحالية». وتتابع: «كان نظام السكن في تلك المنطقة يخصص غرفة واحدة لثلاث عائلات» أما كارلسون نفسه فكتب في سيرته الذاتية: «ترعرت في الفقر وبين القاذورات والرذيلة، حيث الأجساد والأرواح متآكلة ومتهالكة، وكانت مثل هذه البيئة مرتعاً خصباً لمرض الكوليرا».

في بداية حياته، اشتغل والد لارسون عاملاً بشكل غير منتظم، وأبحر كمشعل نار على متن سفينة متجهة إلى الدول الاسكندنافية، وقد عمل لاحقاً في أحد المصانع ناقلاً للحبوب، أما كارلسون فيصف والده بقوله: «كان رجلا خاليا من الحب ويفتقر إلى ضبط النفس، وكان مواظبا على الشرب، ويصرخ على الدوام، ما تسبب على الدوام في غضبي وغضب أخوتي...».

حين وصل كارلسون إلى سن الـ 13، حثه معلمه جاكوبسن، بمدرسة الأطفال الفقراء، على التقدم إلى الأكاديمية الملكية السويدية للفنون، وتم قبوله. خلال سنواته الأولى هناك، شعر بالدونية الاجتماعية والارتباك والخجل. في عام 1869، في سن الـ 16، تم انتقاله إلى أعلى في نفس الأكاديمية. وهناك اكتسب لارسون الثقة، وأصبح شخصية محورية في الحياة الطلابية.

انتقل إلى باريس عام 1877، وأمضى عدة سنوات محبطاً ودون تحقيق أي نجاح رغم كونه فناناً مجتهداً، في تلك الفترة لم يحرص على إقامة أي اتصال مع الانطباعيين التقدميين الفرنسيين، وعوضاً عن ذلك، قام مع فنانين سويديين آخرين بعزل نفسه عن هذه الحركة الفنية.

بعد أن أمضى صيفين في باربيزون، عمل كرسام في ملجأ لرسامي الهواء الطلق، وفي عام 1882 انتقل إلى مستعمرة للفنانين الاسكندنافيين خارج باريس. وهناك التقى بالفنانة كارين بيرجو التي تزوجها لاحقا.. وشكل ذلك نقطة تحول في حياته، حيث رسم بغزارة عدة أعمال بالألوان المائية التي اختلفت عما أنجزه سابقاً من رسومات زيتية. أطفال لارسون

كان لدى كارل وكارين لارسون 8 أطفال: (سوزان، وأولف، وبونتوس، وليزبيث، وبريتا، وماتس، وكيرستي، وإيزبجورن).. وكانت عائلته موديلات دائمة لأهم أعماله.

في عام 1888، حصلت العائلة الشابة على منزل صغير، اسمه «ليتل هايتنز» في سوندبورن من قبل والد كارين، وقام الزوجان بتزيين وتأثيث هذا المنزل تبعا لذوقهما الخاص، ولاحتياجات الأسرة، وفي هذه الفترة الزاهية من حياته رسم أبرز وأهم لوحاته وتدعى «إفطار في الهواء الطلق» التي تعبر بحق عن مزاج الريف السويدي، وعادات العائلة في تناول الإفطار في العراء خاصة خلال أشهر الصيف.

تم تنفيذ هذه اللوحة الشهيرة لكارل لارسون على عدة فترات، النسخة الثانية من اللوحة تدعى «تحت أشجار البتولا»، وتوجد اليوم في المتحف الوطني للفنون الجميلة في استوكهولم، ووجبة الإفطار في الهواء الطلق رمز لتقليد تناول الطعام في فصل الصيف، وهو الذي صار تقليداً معروفاً لدى العائلات السويدية في تلك الأيام.

تقنية

لتصوير الطبيعة السويدية، لا يكفي أن نفتح أعيننا عليها، يجب أن يكون الفنان أيضاً مستعداً لإغلاق عينيه أحياناً، يجب أن يكون قادراً على الحلم بما رآه، وفهم مشاعره والاستماع إليها، والقدرة على إدراك الوحدة ضمن العيش المتعدد والمتنوع، واللوحة تصوير ظريف لضوء الصيف الذي يشي بالتوقع والسكون ويذكرنا دائماً بلوحة ريتشارد بيرغ الأيقونية لأمسية صيفية في الشمال.

اكتملت النسخة النهائية للوحة من الزيت في خريف عام 1910، على الرغم من أن لارسون استمر في إجراء التعديلات على اللوحة حتى عام 1913، كإضافة الكراسي الحمراء، والكلب، وحذف طبق من جراد البحر، تصور اللوحة كذلك الطفلة الرابعة لـ لارسون، «ليزبيث» وهي الشخصية المحورية في هذا العمل، والبالغة من العمر 19 عاماً، وهي تميل حالمة على شجرة البتولا الفضية، وأضفى على اللوحة أناقة تتناسب تماما مع الشفافية البادية في وسط اللوحة.

وتظهر اللوحة ابن لارسون بونتوس، وهو جالس على المقعد، بينما تقف ابنتاه بريتا وسوزان بجانب الطاولة في الخلف، والأخيرة ترتدي قبعة عصرية. وتظهر في اللوحة كارين زوجة لارسون وهي تقف في الخلفية مائلة نحو النار المشتعلة، كما يجلس إسبورن 10 سنوات في المقدمة، يستمع باهتمام إلى الموسيقيين الجالسين بجانب البتولا في مركز اللوحة.

من خلال لوحات كارل لارسون وكتبه، أصبح ليتل هايتنزأحد أشهر بيوت الفنانين في العالم، والآن، يمتلك أحفاد كارل وكارين لارسون هذا المنزل، ويحافظون عليه مفتوحاً أمام السياح خلال فترة الصيف من مايو حتى أكتوبر من كل عام.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/29t32sbm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"