عادي
عمره 74 عاماً ويستعد لـ «هيكلة شاملة»

«الناتو»..«هندسة» جديدة تضمن الأمن الجماعي

02:32 صباحا
قراءة 8 دقائق
وصول قوات الناتو للجناح الشرقي من الحلف

أيمن سمير

وصفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأنه قديم و«عفا عليه الزمن»، بينما قال عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذات يوم أنه «مات إكلينيكياً»، ولكن جاءت الحرب الروسية - الأوكرانية لتمنح حلف الناتو «قُبلة الحياة»، فبعد أن كان الحديث عن تفككه وخروج الدول منه يتردد يومياً، تستعد كل من فنلندا لإتمام إجراءات انضمامها رسمياً إليه وبعدها السويد.

توسع «الناتو» شرقاً كان أحد أهم الأسباب التي ارتكزت عليها روسيا في الدخول إلى أوكرانيا في 24 فبراير 2022، فعندما تأسس الحلف عام 1949 كان الهدف آنذاك هو مواجهة ما كان يسمى «بالمد الشيوعي»، لكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في 25 ديسمبر 1991 ظل يتوسع شرقاً حتى بات عدد أعضائه 30 دولة قبل انضمام فنلندا والسويد، وهناك 11 دولة دخلت الحلف خلال فترة حكم الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين.

1

فرضت الحرب الروسية الأوكرانية «تحديات جديدة» على الحلف الذي يبلغ عدد سكان الدول المنضمة تحت لوائه نحو مليار نسمة، و الذي يستعد لعقد قمته في يوليو المقبل من أجل «هندسة جديدة» تطول معدلات الإنفاق، وحجم التسليح، وتوسيع المهام، وكل ذلك استعداداً لمواجهة يقول عنها أعضاء الحلف إنها سوف تكون «طويلة» مع روسيا، وسوف تمتد إلى ما بعد نهاية الحرب في أوكرانيا

إنه حلف دول شمال الأطلسي «الناتو»، فما هي الأدوات والأهداف الجديدة لأكبر وأقدم حلف عسكري في العالم ؟ وما هي «خطوط الهندسة» الجديدة ؟ وهل تتعلق تلك «الهندسة» فقط بدول الجناح الشرقي من الحلف أم أنها تطول دول وسط وغرب أوروبا ؟

«هندسة كاملة»

كل المؤشرات تقول إن حلف الناتو الذي بلغ نحو 74 عاماً يستعد «لهندسة» من نوع خاص تغطي كافة قطاعات الحلف من حيث عدد الجنود، ونوعية التدريب، وتصنيع السلاح، وبناء القواعد العسكرية، بل وتقسيم المهام بين الأعضاء، وتسير كل هذه التطورات في مجموعة من المسارات والخطط أهمها:

الصورة

أولاً: إعادة ترتيب الأولويات، فمنذ نهاية الحرب الباردة كانت الحرب على الإرهارب، ومنع الهجرة غير الشرعية هي أولويات الحلف، لكن اليوم تشكل روسيا والصين الأولوية القصوى لحلف الناتو، ولهذا تتم إعادة ترتيب توجيه الموارد العسكرية والسياسية والدبلوماسية لمواجهة روسيا والصين مع إعلان الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ خلال زيارته الأخيرة لكوريا الجنوبية واليابان، أن الحلف يتطلع للعب دور كبير في شرق وحنوب شرق آسيا.

ثانياً: زيادة الإنفاق العسكري، فمنذ قمة الحلف في ويلز عام 2014، والتي جاءت بعد سيطرة روسيا على شبة جزيرة القرم وجزء من حوض دونباس الشرقي، تم الاتفاق على أن تنفق دول الحلف على الدفاع نسبة 2 % من الناتج القومي من الدول الأعضاء في غضون 10 سنوات، أي قبل 2024، وهذا الهدف كان استجابة لمطالب الولايات المتحدة التي تشكو بأنها تنفق على دول الحلف أكثر من الدول الغنية مثل ألمانيا، فعلى سبيل المثال أعطى الكونغرس الأمريكي لوزارة الدفاع في ميزانية 2023 -2024 نحو 850 مليار دولار تعادل نحو 3.7 % من الناتج القومي الأمريكي، وكانت نسبة إنفاق أعضاء الحلف السبب الرئيسي في الخلاف بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ودول الناتو التي لم تفِ غالبيتها بنسبة 2 % من الناتج القومي، ولهذا حاول الرئيس ترامب نقل 9500 جندي أمريكي إلى بولندا ورومانيا من ألمانيا التي لم تلتزم بهذه النسبة وقتها، لكن مع عبور القوات الروسية للحدود الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 تغير كل شيء حيث باتت الدول الأوروبية أكثر انفتاحاً على إنفاق المزيد من الأموال على الشؤون الدفاعية والعسكرية، منها تخصيص ألمانيا لصندوق به «100 مليار يورو» لتطوير وتسليح الجيش الألماني، وكذلك فعلت هولندا وبريطانيا، لكن أكثر الدول التي وصلت لنسبة إنفاق 2 % وربما أكبر من ذلك هي دول الجناح الشرقي من الحلف والتي يطلق عليها «مجموعة بوخارست» والتي تضم 9 دول هي، دول بحر البلطيق الثلاث أستونيا ولاتفيا وليتوانيا، ومعها بلغاريا ورومانيا والمجر، بالاضافة الى بولندا والتشيك وسلوفاكيا.

ثالثاً: خلال قمة الحلف القادمة في عاصمة ليتوانيا فيلنيوس سيتم طرح خطة جديدة لكيفية نشر القوات والعتاد على طول الجبهة الشرقية بين دول الحلف وروسيا، كما ستشهد تلك «الهندسة الجديدة» للحلف الطلب من الدول الأعضاء تحمل المسؤولية عن مناطق أمنية مختلفة، من الفضاء إلى القوات البرية والبحرية، فعلى سبيل المثال تشارك القوات الألمانية بفاعلية كبيرة في قوات الحلف لدى دول بحر البلطيق الثلاث.

رابعاً: سوف يعمل الحلف على نشر 300 ألف جندي عالية التجهيز بالقرب من الحدود الروسية، ففي الوقت الحالي يبلغ عدد قوات التدخل السريع نحو 40 ألف جندي، كما زادت واشنطن من عدد القوات الأمريكية في أوربا إلى 100 ألف جندي بحسب بيانات البنتاجون، ويرتبط بذلك أن لدى الحلف «خطة جديدة» لطرق وآليات استدعاء الجنود في جميع أنحاء الحلف لتقديم المساعدة في أسرع وقت ممكن والتي تقوم على تسريع «قوة استجابة» قوات الاحتياط، ففي السابق كان يمكن للإستجابة أن تقف عند توفير 40 ألف جندي في أقل من 15 يوماً، بينما سيوفر النموذج الجديد 100 ألف جندي في غضون 10 أيام، مع استعداد 200 ألف جندي آخرين للانتشار في غضون 30 يوماً.

خامساً: نشر مزيد من «الحاميات العسكرية الأمريكية» في دول الجناح الشرقي من الحلف باعتبارها الأقرب للحدود الروسية، ومنها على سبيل المثال نشر حامية عسكرية أمريكية في بولندا في 2022، ومهمة هذه الحامية الثامنة في أوروبا تنسيق العمليات الدفاعية من بولندا لباقي دول الحلف القريبة منها، وهو ما يعني أن قيادة القوات البرية الأمريكية سوف تكون من بولندا باعتبار أن هذه الحامية الجديدة سوف تكون قاعدة للفيلق الأمريكي الخامس، و التي يتمركز فيها نحو 10 آلاف جندي أمريكي، كما نشرت الولايات المتحدة حامية عسكرية جديدة في رومانيا بداية العام الجاري في قاعدة ميخائيل كوجالنيسينو الجوية، والتي توصف بأنها مركز التدريب الرئيسي لقوات «الناتو» في جنوب شرق أوروبا، وتشكل في الوقت الحالي خط الدفاع الأول لو حاول الجيش الروسي التوجه نحو الغرب، ونظراً لأهمية هذه القاعدة التي توجد في الجنوب الشرقي من رومانيا جرى نشر 4 آلاف جندي أمريكي فيها من الفرقة 101 المحمولة جواً، بالإضافة الى مجموعة صغيرة من الفرقة 82 المحمولة جواً، والتي تم إرسالها كجزء من قوة الرد السريع مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية.

سادساً: الدعوة للتوسع في مزيد من المجموعات القتالية بعد أن أقر الحلف في عام 2022 إنشاء 4 مجموعات قتالية جديدة تتمركز في رومانيا وبلغاريا والمجر وسلوفاكيا، بالإضافة الي دعم 4 مجموعات قتالية أخرى جرى نشرها في السابق في بولندا ودول البلطيق ورومانيا التي لها 640 كيلومتراً من الحدود البرية مع أوكرانيا، وبهذا يصل إجمالي عدد القوات الأمريكية التي دخلت إلى أوربا بعد الحرب في أوكرانيا الى نحو 35 ألف جندي يضافوا إلى 65 ألف جندي كانوا قبل الحرب حيث يوجد في ألمانيا 39 ألف جندي، وفي إيطاليا 12 ألف جندي أمريكي، ثم بريطانيا 10 آلاف جندي، في حين يوجد في إسبانيا 2500 جندي أمريكي.

سابعاً: تشجيع دول الحلف على تحديث المعدات العسكرية بعد أن سلمت غالبية الدول في الجناح الشرقي للحلف ما كان لديها من دبابات ومدرعات سوفييتية وبعض الطائرات إلى أوكرانيا، وهو ما يستلزم ليس فقط تعويض هذه النواقص في المخزون من السلاح والذخيرة بل وتحديث جيوش هذه الدول لتكون على المستوى الاحترافي العالمي، ولهذا قامت ألمانيا بشراء 35 طائرة متعددة المهام من طراز «إف 35» الأمريكية، كما تعاقدت رومانيا وبولندا وبلغاريا على أنظمة دفاع أمريكية جديدة.

ثامناً: «دمج الصناعات الدفاعية»، وذلك بهدف زيادة معدلات الإنتاج من السلاح والذخيرة لتعويض النقص الحاد في الاستهلاك بالحرب الروسية الأوكرانية حيث تطلب أوكرانيا نحو 250 ألف قذيفة مدفعية شهرياً، وهو ما يؤكد أن ما تستهلكة أوكرانيا في يوم واحد يساوي استهلاك الناتو في شهر كامل أثناء ذروة عملياته في العراق وأفغانستان، كما يحاول الحلف التغلب على مشكلة نفاد نحو ثلث مخزوناته من صواريخ جافلين وستينجر، وتسليم نحو 350 دبابة سوفييتية لأوكرانيا، ووفق كل مسؤولي الناتو فإن عملية شراء المعدات العسكرية ذات الجودة العالية هي المشكلة الرئيسية في الوقت الراهن، لهذا يعمل الحلف على مجموعة من الخطط مثل تسريع وتيرة الاستثمار في المصانع العسكرية أو تحديث بعض المصانع القديمة التي كانت تعمل أيام الإتحاد السوفييتي.

تاسعاً: إعطاء منطقة البحر الأسود أهمية خاصة في استراتيجية الحلف خلال السنوات القادمة بعد أن تم إهمال هذه المنطقة خلال السنوات الماضية، وفي ظل توقعات بأن تشهد هذه المنطقة مزيداً من التوتر مع روسيا على خلفية الخلافات الروسية مع جورجيا ومولدوفا.

عاشراً: تبني «المفهوم الاستراتيجي» الشامل الذي يتيح للحلف أن ينظر للمخاطر «بشكل بانورامي» والتي تشمل تهديدات إضافية ظهرت مع الحرب الروسية الأوكرانية مثل «الاستخدام السياسي» لموارد الطاقة.

تحديات

رغم العزيمة السياسية التي تتحلى بها دول الحلف للوصول إلى محطة جديدة في مستوي «الأمن الجماعي» إلا أن هناك بعض التحديات والخلافات لا يمكن إغفالها وهي:

  1. الخلاف بين دول الجناح الشرقي في «مجموعة بوخارست» من جانب، ودول وسط وغرب أوروبا من جانب آخر في كثير من الملفات، أبرزها الخلاف البولندي الألماني على قضايا تاريخية مثل تعويضات الحرب العالمية الثانية، واتهام دول مجموعة بوخارست لألمانيا بأنها مترددة في دعم أوكرانيا وحلف الناتو، وأن هذا التردد من وجهة نظرهم سواء في الوقت الحالي أو في عهد المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، كان السبب وراء التغول الروسي خاصة في قضية الغاز.
  2. اختلاف درجة الحماس بين دول الحلف الأوربيين حيال بعض الأفكار الدفاعية والأمنية، منها على سبيل المثال «تشكيل جيش أوروبي موحد»، حيث تتحمس فرنسا والرئيس ماكرون لهذه الفكرة بينما دول الجناح الشرقي تفضل زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون الدفاعية، وكان من نتيجة هذا الخلاف التخلي عن فكرة الجيش الأوروبي الموحد وإقرار «قوة تدخل سريع» فقط لا يزيد عدد أفردها على 5 آلاف عنصر في 21 مارس 2022.
  3. تواجه سياسة الحلف القائمة على مبدأ «الباب المفتوح» تحدياً كبيراً من جانب روسيا التي تهدد بإجراءات جوابية على انضمام السويد وفنلندا للناتو، وسبق أن اندلعت الحرب الجورجية الروسية عام 2008 بسبب رغبة الناتو في ضم جورجيا وأوكرانيا وقتها للحلف، ويزداد هذا التحدي في ظل وجود الرئيس الروسي فلاديمير بوتن على رأس السلطة في روسيا، فهو يرفض أي توسع جديد للحلف بعد انضمام 11 دولة للناتو منذ صوله للحكم في بداية عام 2000، منها 7 دول في عام 2004، وهي إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، وسلوفينيا، وسلوفاكيا، وبلغاريا، ورومانيا، وفي عام 2009 انضمت ألبانيا وكرواتيا للحلف، وانضمت الجبل الأسود للناتو عام 2017، بينما انضمت مقدونيا الشمالية عام 2020.
  4. هناك خلافات عميقة بين بعض دول الحلف مثل الخلاف اليوناني التركي، والذي وصل في بعض المراحل للتهديد بالحرب سواء في شرق المتوسط أو في بحر إيجة، كما أن تفضيل الولايات المتحدة لبريطانيا على فرنسا في صفقة الغواصات مع أستراليا لفت الى التباينات العميقة بين دول الناتو.
  5. اعتراض تركيا حتى الآن على انضمام السويد إلى الحلف رغم أن هناك توقعات لدى الناتو بأن هذه المشكلة سوف تجد طريقها للحل بعد الإاتخابات التركية في 14 مايو المقبل.

رغم التحديات الهائلة التي فرضتها الحرب الروسية الأوكرانية على حلف الناتو إلا أنها كانت «فرصة جديدة» لتأكيد الأهمية الاستراتيجية للحلف في تحقيق «الأمن الجماعي» ل30 دولة تضم أكثر من مليار نسمة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p884j8y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"