عادي
لعبة نفوذ دولية.. هل من بديل عن العملة الخضراء؟

الدولار يحكم عالم المال.. واليوان شاهد على العصر

23:07 مساء
قراءة 7 دقائق
إعداد: هشام مدخنة

يعتبر الدولار الأمريكي إحدى أقوى العملات في العالم، فهو العملة الرسمية للولايات المتحدة، بالإضافة إلى العديد من الدول الأخرى. وعلى الرغم من أن له تاريخاً عميق الجذور في بلاد العم سام، إلا أن الدولار كما نعرفه اليوم طُبع لأول مرة في عام 1914 مباشرة بعد عام من إنشاء الاحتياطي الفيدرالي وتوصيفه آنذاك «البنك المركزي» للبلاد. وبعد ثلاثة عقود، أصبح الدولار رسمياً العملة الاحتياطية المعتمدة للعالم.

اليوم، يكثر الحديث عن بدائل، وهناك نظرياً سلسلة من البدائل التي يمكن أن تحل محل الدولار كعملة احتياطية عالمية. واليورو على رأسها، فهو الاحتياطي الأكثر استخداماً بعد الدولار، ويمكن أن يحل محله إذا ساندته الظروف الاقتصادية. لكن ما يُصعّب الأمر عليه افتقار الاتحاد الأوروبي إلى وحدة خزانة مركزية. وهناك طبعاً اليوان الصيني، وهو هدف تحرص بكين على تحقيقه.

ويعتمد وضع الاحتياطي إلى حد كبير على حجم وقوة الاقتصاد الأمريكي، وعلى هيمنة الأسواق المالية الأمريكية. على الرغم من عجز الميزانية، والديون التي تقدر بمليارات الدولارات، والطباعة الجامحة للدولار، تظل سندات الخزانة الأمريكية هي الطريقة الأكثر أماناً لتخزين الأموال. كما أن الثقة التي يمنحها العالم للولايات المتحدة في قدرتها على سداد ديونها تجعل الدولار هو العملة الأكثر قابلية للتداول في التجارة العالمية.

وصحيح أن هيمنة الدولار الأمريكي قد تخبو في المستقبل، فهل يكون ذلك على يد اليوان الصيني. وعلى الرغم من الصدمات المالية التي يتعرض لها، إلا أن دور الدولار في الاقتصاد العالمي صامد لم يهتز، ومصيره بيد واشنطن أكثر منه بيد بكين أو غيرها من عواصم العالم.. وهناك أسباب جوهرية.

  • التعدي أو التنازل

على عكس ما كان منتظراً، أدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية المتزايدة على موسكو إلى تجفيف منابع احتياطيات البنك المركزي الروسي، إلى خفوت جاذبية الدولار. وجددت إخفاقات واشنطن المصرفية التساؤلات حول قابلية البلاد للتأثر بأزمات مالية تزعزع استقرارها، في وقت تسعى فيه بكين بعلاقاتها المتنامية شرقاً وغرباً لتدعيم مركز اليوان أكثر بوصفه بديلاً محتملاً للدولار الأمريكي.

ومع ذلك، هناك طريقتان فقط يمكن أن يفقد خلالها الدولار مكانته على رأس هرم الاقتصاد العالمي: إما «التعدي»، أي أن تحل عملة أخرى محله، مثلما حل الدولار محل الجنيه الاسترليني قبل قرن من الزمان، أو «التنازل عن العرش»، أي أن تنتهج الولايات المتحدة سياسات خاصة تُقلص من دورها العالمي طواعية.

وهناك مخاوف من انضمام الصين إلى معسكر «التعدي» على سلطة الدولار الأمريكي، لكنها تبقى مخاوف محدودة إذا ما قورنت بالتهديد الأكثر أهمية وهو تقديم التنازلات من قبل أولئك الذين يرون في سلطة الدولار العالمية عبئاً باهظاً لا امتيازاً، وبالتالي يسعون للتخلي عنه. وسيكون ذلك نوعاً من «نزع السلاح المالي» في لعبة النفوذ الدولي الكبرى التي تتجاوز الأسعار والكميات.

  • احتياطات اليوان

من الصعب بمكان أن يحل اليوان الصيني محل الدولار الأمريكي، إنها ليست مسألة تقنية فحسب، بل سياسة أيضاً. فإدارة سعر الصرف الأجنبي للعملة الصينية تُدار بشكل مبهم ولأسباب هادفة. نعم، أسواق رأس المال الخاصة بها تتطور، لكنها لا تتمتع بالشفافية الكافية، وكان من المفترض أن يؤدي تضمين اليوان في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي في عام 2015 إلى زيادة احتياطيات العملة، ولكن اعتباراً من نهاية الربع الثالث من عام 2022، بلغت حصة اليوان من الاحتياطيات العالمية حوالي 2.75% فقط. كما أن حصة اليوان في معاملات «سويفت» ارتفعت لفترة وجيزة فوق 3% مطلع العام الماضي، ولكنها تراجعت إلى 2.2% بحلول فبراير/شباط 2023.

في جانب متصل، ربما تتأمل الصين أن تحصل على النفط السعودي ب «اليوان»، لكن حتى اللحظة لا توجد أي دلالات على ذلك. كما أن الريال السعودي، شأنه شأن العديد من عملات العالم، مرتبط بالدولار. وعندما يغير الاحتياطي الفيدرالي، أقوى سلطة نقدية عالمية، أسعار الفائدة، تتبعه معظم بنوك دول الشرق الأوسط، ومن بينها السعودية نفسها.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن تسعير النفط والعديد من السلع الاستراتيجية الأخرى بالدولار لم يكن السبب وراء صعود الدولار ودوره في الاقتصاد العالمي، بل انعكاس حقيقي لذلك. فعمق أسواق رأس المال الأمريكية واتساعها وشفافيتها هي حجر أساس نهوض تلك الأسواق المدعومة أيضاً بهيمنة عسكرية ونظام قانوني صارم.

  • فك الارتباط؟

عندما تستمع لبعض التعليقات الأمريكية حول ارتفاع اليوان، ستشعر وكأن أمريكا مجرد ضحية، في حين الواقع يقول إن الصين بالكاد تخلت عن استخدام الدولار. كما أن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والذي كان يعتبر يوماً البديل الفعلي للبنك الدولي، أبرم اتفاق تعاون مع الدولار الأمريكي، ويتقاضى بالدولار نفسه رسوم الاشتراكات من عملائه الذين هم بالأساس حلفاء للولايات المتحدة، بما فيهم المملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا.

أضف إلى ذلك، أنه حتى مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تستعرض بها بكين قوتها، لا يمكن فصلها عن الدولار. ففي البداية، قدمت الصين قروضاً باليوان، لكن المستفيدين سرعان ما استبدلوها بالدولار. والآن، تُمول البنوك الصينية قروض مبادرة الحزام والطريق بالعملة الأمريكية الرسمية!

  • الشريك الأقوى

يُقدر بنك التسويات الدولية حجم التداول اليومي في سوق الصرف الأجنبي ب 7.5 تريليون دولار، وبلغ حجم التجارة العالمية حوالي 32 تريليون دولار للعام الماضي بأكمله. كما يمثل الدولار نحو 88% من عمليات تداول العملات، ولم تتغير النسبة كثيراً عن عام 1989، عندما كانت الدولار 90% من عمليات التداول. صحيح أن الصين قد تكون الشريك التجاري الأهم لأعداد أكثر من الدول مقارنة بالولايات المتحدة، لكن دور الدولار في هذه الشراكات وغيرها يظل هو الأقوى والأهم.

كما أن تنويع الاحتياطيات تجاه اليورو أو الإسترليني أو الين أو الدولار الكندي والأسترالي لا يمثل تهديداً للدولار الأمريكي، فهذه البلدان والمناطق مترسخة بعمق في عالم يرتكز على الدولار. ورغم ظهور العديد من أنظمة الدفع الجديدة المعتمدة على تطور التكنولوجيا وخفض حواجز الاستخدام على مدار العامين الماضيين، تبقى تلك الأنظمة صغيرة ومجزأة أمام نظام الدولار الأمريكي العالمي.

رحلة عملة الاحتياطي العالمي منذ 1690

الصورة
1

يعود أول استخدام موثق للعملة الورقية في الولايات المتحدة إلى نهايات القرن السابع عشر وتحديداً عام 1690، عندما أصدرت مستعمرة خليج ماساتشوستس «الأوراق النقدية الاستعمارية» لتمويل عملياتها العسكرية. ولم يتم طرح أول ورقة نقدية من فئة 2 دولار حتى عام 1776، أي قبل تسعة أيام من استقلال البلاد. وبعد تسع سنوات، في عام 1785، اعتمدت الولايات المتحدة رسمياً الدولار.

وفي عام 1863، تم إنشاء وكالتين حكوميتين للمراقبة المالية للعملة الوطنية من أجل التعامل مع الأوراق النقدية الجديدة التي كانت تُطبع من قبل شركات خاصة. وفي عام 1869، بدأت الطباعة المركزية من قبل الحكومة الأمريكية في مكتب «النقش والطباعة». لتتولى وزارة الخزانة الأمريكية في عام 1890 رسمياً المسؤولية عن إصدار العملة القانونية للدولة.

  • معيار الذهب

شهد عام 1913 ولادة ما يسمى اليوم «بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي»، ليأتي رداً على عدم موثوقية واستقرار نظام العملة الذي كان يعتمد في السابق على الأوراق النقدية الصادرة عن البنوك الفردية. وأصبح الاقتصاد الأمريكي حينها أكبر اقتصاد في العالم، متجاوزاً اقتصاد المملكة المتحدة.

في ذلك الوقت، ربطت أغلبية الدول المتقدمة عملاتها بالذهب كوسيلة لتحقيق الاستقرار في التبادل. ولكن عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، علّقت العديد من الدول استخدامها لمعيار الذهب لدفع نفقاتها العسكرية بأموال ورقية، مما أدى إلى خفض قيمة تلك العملات. لكن بريطانيا التزمت بمعيار الذهب للحفاظ على مكانة الجنيه الإسترليني عملةً رائدة في العالم، لتجد نفسها خلال السنة الثالثة من الحرب تقترض الأموال ولأول مرة.

وهنا أصبحت الولايات المتحدة المقرض المفضل للعديد من البلدان التي أرادت شراء سندات أمريكية مقومة بالدولار. وتخلت بريطانيا أخيراً عن معيار الذهب في عام 1931، مما أدى إلى تدمير الحسابات المصرفية للتجار الدوليين الذين يتداولون بالجنيه الإسترليني. وبحلول ذلك الوقت، حل الدولار محل الجنيه باعتباره العملة الاحتياطية الدولية الرائدة.

  • اتفاقية «بريتون وودز»

قبل انخراطها في الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة والسلع الأخرى للحلفاء الذين دفعوا الذهب مقابل ذلك، مما جعلها تستحوذ على أغلبية ذهب العالم بنهاية الحرب، وباتت العودة إلى قاعدة الذهب مستحيلة من قبل الدول التي استنزفت احتياطياتها من المعدن النفيس.

وفي عام 1944، التقى مندوبون من 44 دولة حليفة في غابات بريتون وودز، في نيوهامبشاير بالولايات المتحدة، للتوصل إلى نظام لإدارة النقد الأجنبي وتشجيع إنماء التجارة بعد الحرب العالمية الثانية بكيفية لا تضر بأي بلد. حينها، قرر الوفد المشارك ألّا ترتبط عملات العالم بعد الآن بالذهب بل بالولايات المتحدة كدولة، على اعتبار أن الدولار الأمريكي نفسه كان مرتبطاً بالذهب. وأصبحت هذه الاتفاقية ببنودها وتشعباتها معروفة باسم اتفاقية «بريتون وودز».

  • العملة الاحتياطية العالمية

توجت اتفاقية «بريتون وودز» الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية الرسمية للعالم، والمدعوم بأكبر احتياطي عالمي من الذهب أيضاً. وبدلاً من المعدن النفيس، خزّنت الدول احتياطيات من الدولار، وبدأت بشراء سندات الخزانة الأمريكية، التي اعتبرتها ملاذاً آمناً لحفظ الأموال.

في غضون ذلك، أدى الطلب على سندات الخزانة، إلى جانب تمويل حرب فيتنام، وبرامج المجتمع المحلية، إلى إغراق الولايات المتحدة السوق بالنقود الورقية. ومع تزايد المخاوف بشأن استقرار الدولار، بدأت الدول في تحويل احتياطيات الدولار إلى ذهب.

فكان الطلب على الذهب كبيراً لدرجة أن الرئيس ريتشارد نيكسون اضطر للتدخل وفك ارتباط الدولار بالذهب، والنتيجة أسعار الصرف العائمة الموجودة اليوم. ومع ذلك، وعلى الرغم من وجود فترات من التضخم والبطالة المرتفعة، ظل الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية العالمية. واليوم، ووفقاً لصندوق النقد الدولي، تمتلك البنوك المركزية العالمية حوالي 59% من احتياطياتها بالدولار، إما نقداً أو على شكل سندات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9yv3k5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"