بين فجوة الأجور وشفافيتها

22:09 مساء
قراءة 3 دقائق

سميرة رفاييلا*

على الرغم من أن مبدأ «الأجر المتساوي للعمل المتساوي» كان جزءاً من معاهدات الاتحاد الأوروبي منذ عام 1957، لا تزال النساء في دول الاتحاد يكسبن 13% أقل من الرجال في المناصب المماثلة.

 ولفجوة الأجور هذه تأثير كبير وطويل الأمد في جودة حياة المرأة، لا سيما معاشاتها التقاعدية. ومع ذلك، فإننا لا نوفي هذه القضية حقها كفاية. فلا تزال قضية الأجور من المحرمات في معظم البلدان، حيث يعتبر السؤال عما يتقاضاه شخص ما، أمراً وقحاً. لكن، من دون معلومات دقيقة حول رواتب زملائك في العمل أو نظرائك في الصناعة، كيف لك أن تعرف ما إذا كنت تتقاضى راتباً عادلاً، أم أن جهدك مهضوم؟

 هنا يأتي دور «شفافية الأجور»، وهو التوجيه الأوروبي الجديد الذي من خلاله تتيح الشركات، العامة والخاصة، كشوفات رواتب موظفيها للجميع ومن دون حرج، وبالتالي سيتمكن الموظفون من مقارنة أجورهم واكتشاف ومعالجة الاختلافات غير المبررة بينها. وسيصبح هذا الأمر على مستوى الاتحاد الأوروبي نقطة تحول في تعزيز مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي ذي القيمة المتساوية أيضاً، ما يثبت الآليات الضرورية لمحاربة فجوة الأجور غير المبررة بين الجنسين.

 وسيمنح التوجيه جميع الباحثين عن عمل والموظفين الحق في الحصول على معلومات قبل وأثناء التوظيف، من ضمنها الأجور الشفافة، وسياسات التقدم الوظيفي، إضافة إلى تقارير الرواتب. ومن خلال وضع ممارسات رواتب الشركات تحت دائرة الضوء، فإننا ننهي المحرمات المتعلقة بمقارنة الرواتب، ونجعل النساء يسألن عن حقوقهن المستحقة فعلاً. لأنه عندما تعرف المرأة مقدار ما يكسبه زملاؤها في العمل وفي الصناعة، سيكون من الأسهل عليها أن تطلب الشيء نفسه.

لقد بذلنا جهوداً كبيرة لكي يُبصر هذا الاقتراح التشريعي، الذي سيصبح قانوناً، النور. وتم التوصل إلى اتفاق بخصوصه بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي في نهاية العام الماضي، وصادق عليه مؤخراً، البرلمان الأوروبي، في خطوة أخيرة قبل أن يصبح نافذاً. وسيُحدث التوجيه الجديد، الذي يُعزز تطبيق مبدأ الأجر المتساوي للعمل المتساوي، أو العمل متساوي القيمة بين الرجل والمرأة من خلال الشفافية في الأجور، فرقاً حقيقياً للمرأة الأوروبية، خاصة أن الأغلبية العظمى من دول الاتحاد الأوروبي ليس لديها حتى إطار قانوني لشفافية الأجور اليوم.

 حالياً، هناك 10 دول فقط، في الاتحاد الأوروبي، وهي: النمسا وبلجيكا والدنمارك وألمانيا وفنلندا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال والسويد وإسبانيا، تمتلك أطراً قانونية بشأن شفافية الأجور، لكنها تُطبق بشكل مختلف في كل بلد. فعلى سبيل المثال، بينما تُجري فرنسا وإسبانيا عمليات تدقيق كاملة مع إعداد تقارير منتظمة حول فجوة الأجور بين الجنسين، لا تطلب ألمانيا سوى عمليات تدقيق مخصصة وغير دورية لبعض الشركات المختارة. وبالتالي فإن إنشاء لائحة على مستوى الاتحاد الأوروبي، ستخط تدابير وسياسات مشتركة تلتزم بها جميع الدول الأعضاء.

 ومن بين هذه التدابير، شجعنا النظر في حماية الأشخاص ذوي الإعاقة بأحكام قوية في جميع بنود الاتفاق، إضافة أيضاً إلى تعريف واضح للتمييز متعدد الجوانب، بمعنى أنه يجب مراعاة أهمية ذلك عند تحديد تعويض الضحايا، أو العقوبات، والإقرار بالحاجة إلى زيادة الوعي بوجوده.

 في غضون ذلك، يزعم المنتقدون أن تشريع «شفافية الأجور» سيثقل كاهل الشركات الصغيرة والمتوسطة، بشكل كبير، ولكن في حقيقة الأمر قد يكون مفيداً لها، وسيجعل عمليات التوظيف أكثر كفاءة. فلا مزيد من المقابلات التي تستغرق وقتاً طويلاً حتى ينتهي الأمر بمعرفة أن الراتب المعروض كان أقل من التوقعات. وعلى المدى الطويل، سيخلق القانون توافقاً أفضل في سوق العمل. وفي كل الأحوال، ستُمنح الشركات المعنية وقتاً مناسباً لمعالجة أي فجوة في الأجور بين الجنسين، قبل بدء الإجراءات التصحيحية.

توجيه الشفافية في الأجور هو أول مبادرة كبيرة يتم اتخاذها في إطار استراتيجية الاتحاد الأوروبي للمساواة بين الجنسين، وخطوة ضرورية في الكفاح من أجل إنهاء فجوة الأجور بينهما. ومع ذلك، لن يكون الإجراء الوحيد المطلوب.

فعلى سبيل المثال، تعتبر زيادة مشاركة النساء الأوروبيات في مجالس إدارة الشركات، أمراً حيوياً كذلك لمعالجة هذه الأزمة. لأنه ليس من الصعب على النساء الوصول إلى مناصب رفيعة فقط، بل إن فجوة الأجور هناك تمثل عائقاً كبيراً أمامهن، خصوصاً في المجالات ذات الأجور المرتفعة.

وسيؤدي تحقيق تلك الأهداف إلى زيادة فرص المرأة الوظيفية، ومزيد من الانخراط المتساوي لها، ما يعود بالنفع على الاقتصاد الأوسع في نهاية المطاف. لكننا إلى الآن لا نزال بعيدين عن خط النهاية، وسنواصل العمل حتى تحصل كل امرأة في الاتحاد الأوروبي على نالفرص والإمكانات نفسها، مثل الرجل.

*عضو لجنة حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في البرلمان الأوروبي. بمشاركة سيلفي برونيت -عضو لجنة التوظيف والشؤون الاجتماعية في البرلمان الأوروبي(يوروآكتيف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycyeadpn

عن الكاتب

عضو لجنة حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في البرلمان الأوروبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"