نحو الاكتفاء مـن الرقـائـــق

23:07 مساء
قراءة 4 دقائق

ديفيد جاكوب*

تعتبر إضافة مُصنّع الرقائق الصيني «لونغسون تكنولوجي»، المنافس الشرس المحتمل لشركة «إنتل»، إلى ما يسمى ب«قائمة الكيانات» التي أوردتها وزارة التجارة الأمريكية مؤخراً، والتي تُقيد من خلالها صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى الصين، أحدث ضربة جيوسياسية لصناعة حيوية اقتصادياً.

لكن الجغرافيا السياسية ليست التهديد الوحيد لقطاع أشباه الموصلات في الصين، وبالتالي للاقتصاد الصيني الذي يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا ويسير في طريق الاكتفاء الذاتي في تصميم وتصنيع الرقائق، فتغير المناخ يقود أيضاً مخاطر جديدة ومتطورة لعملية التصنيع، وقد يحمل اضطراب التوريد، نتيجة الفيضانات أو الجفاف على سبيل المثال، معه تكاليف إضافية سيتردد صداها في جميع أنحاء الاقتصاد.

ومع اندفاع الصين لبناء قدراتها في تصنيع الرقائق، يتسبب تغير المناخ في جعل أجزاء من البلاد عرضة بشكل متزايد للطقس المتطرف الذي قد يؤدي إلى ندرة الموارد وتعطيل العمليات.

يُمثل الاقتصاد الرقمي الصيني حوالي 40% من ناتجها المحلي الإجمالي، وتعدّ أشباه الموصلات مكوناً رئيسياً في هذا القطاع، وتستخدم في صناعة كل شيء تقريباً من السيارات والهواتف إلى مجموعة كاملة من المنتجات فيما يسمى بإنترنت الأشياء.

وبينما تستهلك البلاد أكثر من ثلاثة أرباع أشباه الموصلات في العالم، إلا أنها تنتج 15% فقط منها. وقد أكد نائب رئيس مجلس الدولة ليو هي على أهمية الصناعة، واصفاً إياها بأنها «الرابطة الأساسية للأنظمة الصناعية الحديثة».

إن صناعة أشباه الموصلات معقدة جداً وكثيفة الموارد. ويمكن أن يستغرق بناء إحدى مصانعها حوالي ثلاث سنوات، مع تكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار، و6000 عامل، وذلك بحسب شركة «إنتل». ولهذا السبب، فإن تلك المصانع عرضة لمجموعة واسعة من الاضطرابات، المادية والتوريدية فضلاً عن نقص المواهب المحتمل.

وتتطلب عملية التصنيع الكثير من الماء لغسيل رقائق السيليكون وتبريد الآلات. وفي الصين وحدها، تستهلك مصانع أشباه الموصلات أكثر من 150 مليار لتر من المياه سنوياً، وذلك بحسب دراسة أجراها باحثون في جامعة بوردو عام 2019. وسيؤدي شح المياه أو انقطاعها حتماً إلى تعطيل الإنتاج. هذا دون أن ننسى أن الصين تعاني نسبياً من انعدام الأمن المائي، ففي حين تمثل البلاد 20% من سكان العالم، إلا أنها تمتلك 7% فقط من موارد المياه العالمية، وفق بيانات بنك التنمية الآسيوي.

وتستخدم مصانع أشباه الموصلات أيضاً الكثير من الطاقة. فقد استهلكت الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات «سميك» (SMIC)، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في البلاد، 2.9 مليار كيلوواط / ساعة من الكهرباء في عام 2021، وأي اضطراب في الإمداد سيشكل خطراً تشغيلياً على المصانع. وبالفعل، اشتكى صانعو الرقائق من أن نقص الطاقة يعيق سير العمليات، وذلك بعد أن تسبب جفاف الأنهار الهائل في الصين، الصيف الماضي، في تعطيل إمدادات الطاقة الكهرومائية. ومن المعروف أن حالات الجفاف هذه تزداد تواتراً مع ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، مما يعني اشتداد هذه الاضطرابات على الأرجح.

في غضون ذلك، يتمركز جزء كبير من قدرة تصنيع أشباه الموصلات الصينية في مقاطعة جيانغسو، التي تمثل عُشر الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وأكثر المراكز الصناعية تأثراً بالمناخ على وجه الأرض. وقد تأثرت هذه المنطقة بالفعل بالجفاف الشديد الذي ضرب الصين العام الماضي، وكانت من بين المقاطعات التي سجلت درجات حرارة قياسية حينها.

وبخلاف حالات الجفاف، فإن جيانغسو معرضة أيضاً للفيضانات. وبحكم موقعها الجغرافي على دلتا نهر اليانغتسي، فإن المقاطعة عرضة كذلك للأعاصير العاتية، وفي السنوات الخمس الماضية ضربتها فيضانات شديدة عطلت الإنتاج الزراعي وطال أثرها السلبي ملايين الأشخاص.

اليوم، وكجزء من حملة الاكتفاء الذاتي الصيني، تعمل بكين على توسيع المناطق التي تصنع فيها الرقائق. وقد عرض المركز التكنولوجي في جنوب غرب تشنغدو مؤخراً إعانات بقيمة 500 مليون يوان (72 مليون دولار) لشركات أشباه الموصلات المحلية لتطوير مشاريع الرقائق. كما قدمت مدن مثل شنتشن وقوانغتشو وهانغتشو دعماً متعلقاً بأشباه الموصلات. لكن حتى هذه المناطق عرضة أيضاً لمخاطر تغير المناخ الكارثية.

تعتبر الإحاطة بمخاطر تغير المناخ ضرورية لتشخيص تلك المخاطر وتسعيرها بدقة للوفاء بالتزامات الإبلاغ عنها. ويستخدم هذا النهج مجموعة من البيانات التاريخية وتوقعات المناخ العالمي المصغرة لتحديد تأثير المخاطر المختلفة.

وهناك أيضاً مخاطر تضخمية يجب مراعاتها، فارتفاع تكاليف البناء والمواد يعني أن تقييم الأصول يمكن أن يتغير بسرعة. لذلك يجب على الشركات مراجعة القيم المؤمّن عليها، وصياغة سياستها لتحديد ما إذا كانت برامج التأمين الخاصة بها لا تزال كافية.

تؤثر المخاطر على أي صناعة في العالم، ومعالجتها جزء من ممارسة الأعمال التجارية. ولكن نظراً للاستثمارات والتعقيدات والطبيعة الحساسة سياسياً ومادياً لتصنيع أشباه الموصلات، فمن الأهمية بمكان تقييم المخاطر وإدارتها بشكل فعال أكثر وقبل حدوث الأزمة. وعليه، يمكن أن تساعد الاستشارة وتحليل الاضطرابات والاستعداد والتأمين ضد الكوارث في معالجة المخاطر المرتبطة بالمناخ وسلسلة التوريد وانقطاع الأعمال. وبخلاف ذلك، ستكون التكلفة عالية لكل من صانعي الرقائق والاقتصاد الصيني.

* الرئيس التنفيذي لشركة «مارش ماكلينان» (ساوث تشاينا مورننغ بوست)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ma54u6r8

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لشركة «مارش ماكلينان»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"