عادي
(جبر الخواطر)

النبي يمدح «الأنصار»..

23:46 مساء
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

قال أنس بن مالك رضى الله عنه: (جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها، فكلّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«والذي نفسي بيده، إنكم أحب الناس إليّ»).

(المدينة المنورة)

يقول عدنان الطرشة في كتاب «ماذا يحب النبي»، الأنصار هم الذين نصروا الله ورسوله، وآووا النبي صلى الله عليه وسلم وواسوه هو وأصحابه بأموالهم، وقدموا له مدينتهم (يثرب) المدينة المنورة لتكون عاصمة للدولة الإسلامية، ومنطلقاً لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أرجاء الأرض، هم الأوس والخزرج، هم الذين جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حبهم آية الإيمان وبغضهم آية النفاق. بل قال صلى الله عليه وسلم عنهم:«الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق. فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله». فما أكرم من ذلك في جبر خاطر ومدح النبي في الأنصار.

فلما أراد الله عز وجلّ إظهار دينه، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم، خرج النبي صلى الله عليه وسلم وعرض نفسه على قبائل العرب، كما كان يصنع كل موسم. فبينما هو عند العقبة لقى رهطاً من الخزرج فدعاهم إلى الله عز وجل، فأجابوه فيما دعاهم إليه وصدقوه.

وحتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة فبايعوه، وهي بيعة العقبة الأولى، لأنه لم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في الحرب، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى. وقد بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عُمير، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقّههم في الدين. ثم خرج من خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك، حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة، من أوسط أيام التشريق، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، وهى بيعة الحرب. فقد نزل الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال. وكان الذين بايعوا في هذه البيعة ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين من الأوس والخزرج.

(الأنصار آية الإيمان)

ويضيف: بعد ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه، ومن معه بمكة من المسلمين، بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها، واللحاق بإخوانهم من الأنصار. ثم بعد ذلك هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى المدينة ومعه صاحبه أبو بكر الصديق رضى الله عنه. وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار.

وقد شهد الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، فحاربوا معه ودافعوا عنه، ووفّوا بما بايعوه عليه، وكانت لهم المواقف العظيمة، ويوم موقعة بدر الكبرى وهي المعركة الفاصلة بين الإيمان والكفر، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطب الناس ليستوثق من أمر الأنصار وقال: «أشيروا عليّ أيها الناس». وإنما يريد الأنصار لأنهم أكثرية الناس. فقال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: «أجل»، قال: فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك. فَسُّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشّطه ذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار). لقد خص الله تعالى الأنصار بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم.

وقد مدحهم الله عز وجل وأثنى عليهم في كتابه الكريم فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (سورة الحشر:الآية 9). أي أن الأنصار يحبون المهاجرين ولا يحسدونهم على ما أوتوا، ويؤثرونهم على أنفسهم فيقدمون لهم الأموال والمنازل مع احتياجهم إليها. ولهذا جاء الترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان، تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركاً لهم في الفضل المذكور كل بقسطه. فما أجمل من ذلك جبراً وتطييباً لخاطر الأنصار.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للأنصار فيقول: «اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tpap77c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"