البرازيل والصين.. شراكــة أكثــر نمــواً

22:12 مساء
قراءة 4 دقائق

ماورو فييرا *

تفتح الزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا للصين الأبواب أمام البلدين لإعادة تأسيس الشراكة الاستراتيجية الثنائية والحوار السياسي على أعلى مستوى. ونوقش خلال الزيارة مجموعة واسعة من القضايا، من معالجة الفقر المدقع، إلى تنمية موارد الطاقة النظيفة.

 وجاءت الزيارة تعزيزاً لنجاحات السنوات الماضية، التي سطّرت من خلالها الدولتان أحداثاً حافلة بالحلول البنّاءة للتحديات الوجودية المعاصرة التي يفرضها التفاوت الشديد والتغير المناخي. وتعتبر إعادة إطلاق العلاقة الاستراتيجية مع الصين أولوية قصوى للبرازيل، وهو ما يظهر بوضوح من حجم ومستوى الوفد الحكومي والاقتصادي المرافق للرئيس البرازيلي، والذين شاركوا، جنباً إلى جنب مع نظرائهم الصينيين، في اجتماعات وحفلات تم خلالها التوقيع على اتفاقيات في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك.

 لقد ازدهر التعاون بين الصين والبرازيل في العقود الأخيرة، ولعبت العلاقة الاستراتيجية دوراً إيجابياً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلدين. وأعتقد أن الحوار الوثيق بينهما يمكن أن يساعد في تشكيل النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين، ومواجهة التحديات العالمية وعلى رأسها الأزمة البيئية.

 وإذا ما ذهبنا إلى لغة الأرقام، سنرى النجاح الدبلوماسي الثنائي والنمو التجاري الكبير. ففي عام 2009، عند آخر زيارة للرئيس لولا إلى بكين، أصبحت الصين الشريك التجاري الرئيسي للبرازيل. ومنذ ذلك الحين، تضاعف تدفق التجارة الثنائية بينهما أربع مرات، ليصل إلى 150 مليار دولار في عام 2022. وبرزت البرازيل بوصفها المزود الأكثر موثوقية وأهمية في قطاع الأعمال التجارية الزراعية للصين. كما أن أكثر من 20% من واردات الصين الزراعية مصدرها الآن منتجون برازيليون ذائعو الصيت عالمياً، ما يساعد بكين على تحقيق احتياجات الأمن الغذائي.

 في المقابل، سمح إطار الاستثمار البرازيلي المنفتح والشفاف وغير التمييزي بتدفق هائل لرأس المال الصيني خلال السنوات الأخيرة. وفي الواقع، كانت البرازيل إحدى الوجهات الرئيسية المستقبلة للاستثمارات الصينية عالمياً، وهذا دليل على طبيعة المنفعة المتبادلة لعلاقتنا الاقتصادية.  وفي الجانب العلمي، يعود التعاون بين الدولتين إلى ثمانينات القرن الماضي، وقد أثمرت برامج رائدة ومفيدة كالأقمار الصناعية المشتركة الستة، التي تدرس على سبيل المثال موارد الأرض، وتراقب عمليات مكافحة إزالة الغابات في منطقة الأمازون، ويجري التخطيط الآن لإطلاق قمر جديد.

 تلتزم البرازيل والصين بتعميق الحوار بينهما عبر جميع المجالات التقليدية، بهدف تعزيز التبادل الاقتصادي الثنائي الأكثر انفتاحاً وتكثيفاً، وإيجاد سبل تعاون علمي وتعليمي أوسع، والسماح بتدفقات سياحية أكثر أهمية، فضلاً عن توثيق العلاقات الثقافية بين شعبي البلدين.

 وهنا تجدر الإشارة إلى أن النتائج الرائعة التي تحققت على مر السنين كانت مشجعة للغاية، ولكن بعض القضايا العالمية الملحة تتطلب نهجاً جديداً. ويشكل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي تهديدات وجودية لكوكبنا، والبرازيل والصين، وهما الدولتان العملاقتان والناميتان وشديدتا التنوع، تلعبان دوراً حاسماً في مواجهة تلك التحديات. وعلى الرغم من تعاون بكين وبرازيليا في القضايا البيئية في منتديات ومجموعات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ودول «البريكس»، إلا أنه ليس لدينا أداة ثنائية محددة للتعامل مع التعاون البيئي. ولسد هذه الفجوة، يستكشف مسؤولو البلدين إنشاء آلية ثنائية حصرياً لمناقشة السياسات والقضايا البيئية. والحوار الصيني البرازيلي الوثيق حول الموضوعات الرئيسية مثل حماية التنوع البيولوجي، ومبادرات الغابات، وحجم الانبعاثات، والسيطرة على التلوث، سيفيد مجتمعاتنا والعالم بأسره.

 وينبغي التأكيد على أن التعاون البيئي الثنائي بين البلدين جارٍ بالفعل من وجهة النظر الاقتصادية. وهناك ثورة ثانية للطاقة النظيفة تحدث في البرازيل، بعد الأولى التي حدثت قبل بضعة عقود، عندما بنت الأخيرة محطات للطاقة الكهرومائية. وفي الموجة الثانية، تلعب التكنولوجيا ورأس المال الصينيان دوراً مهماً. فقد تم توجيه أكثر من 45% من إجمالي الاستثمارات الصينية في البرازيل بين عامي 2007 و2021 إلى قطاع الكهرباء، واستخدمت هذه الموارد بأغلبية ساحقة لتمويل نمو الطاقة المتجددة. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تنمو الطاقة المتجددة في البرازيل بمعدل متوسط يبلغ حوالي 6% سنوياً منذ عام 2012. كما احتل معدل نمو طاقة الرياح فيها المرتبة الثالثة على مستوى العالم في عام 2021، بعد الصين والولايات المتحدة.

بالإضافة إلى ذلك، ازدهرت صناعة السيارات الكهربائية والهجينة أيضاً في البرازيل، فقد نما عدد السيارات الكهربائية المباعة بنسبة 41% العام الماضي، ومرة أخرى تقود الشركات الصينية هذا النمو. وتساعد أيضاً موجة التصنيع الجديدة عالية التقنية البرازيل على تقليل انبعاثاتها، كما تعمل توربينات الرياح والألواح الشمسية على تنشيط الاقتصاد وتحقيق الاندماج الاجتماعي لبعض المناطق القاحلة في شمال شرق البلاد.

إن بناء ركيزة بيئية جديدة في جدول أعمالنا الدبلوماسي من شأنه أن يضيف زخماً إلى الاستثمارات الصينية كثيفة التقنية والمستدامة في البرازيل. كما أنه سيشرك العالمين السياسي والأكاديمي لكلا الجانبين بشكل أكيد في التحدي الأكثر إلحاحاً للقرن الحادي والعشرين وهو: كيفية معالجة الأزمة البيئية من منظور البلدان النامية.

ومع اقتراب البرازيل والصين من موعد الذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية في عام 2024، ينبغي على البلدين أن يسعيا جاهدين لتجديد تلك الشراكة بشكل أكثر اخضراراً وشمولية، وبالتالي تعميم الفائدة القصوى لهما ولسائر دول العالم.

* وزير الخارجية البرازيلي

* تشاينا ديلي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3e9s8jvd

عن الكاتب

وزير الخارجية البرازيلي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"