عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

موسى الكليم عليه السلام

23:03 مساء
قراءة 3 دقائق
1

د. سالم الشويهي

قصة نبي الله موسى، عليه السلام، هي أكثر القصص وروداً في القرآن، حتى قال أحد العلماء: «كاد القرآن أن يكون كلّه لموسى عليه السلام»، فكان أكثر الأنبياء ذكراً في القرآن على الإطلاق.

قال القشيري: «كرّر قصة موسى عليه السلام تفخيماً لشأنه، وتعظيماً لأمره، وتنبيهاً على علوّ قدره عند الله وعلى مكانة الآيات التي أرسله بها، ومعجزاته الباهرة، وبراهينه القاهرة».

الله أرسل موسى إلى أعتى أهل الأرض ورأس الكفر والطغيان وهو فرعون كما قال تعالى لموسى: «اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى»، فقد قال لقومه: «مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي»، فهو وصل في الكفر غايته، وكما قال الله عنه: «فَحَشَرَ فَنَادَى، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى».

وهذه دعوى لم يجرؤ عليها حتى أعدى البشرية إبليس اللعين، فصار فرعون مثالاً للكفر والطغيان، وصار أَضَرَّ على البشرية مِنْ عدوها اللدود الشَّيطَانِ الرجيم وحاله يقول:

وَكُنْتُ امْرَأً مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ فَارتَقَى بِيَ

الحَالُ حَتَّى صَارَ إِبْلِيسُ مِنْ جُنْدِي!

ولذا صارت قصة موسى، عليه السلام، أعظم القصص اعتباراً لأهل الإيمان، ومثالاً للصبر والمصابرة على مشاق الدعوة والحياة، ومليئةً بالعظات والعبر التي يعتبر بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأمته. كما قال تعالى في مطلع سورة القصص: «تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».

ولهذا كان النبي، صلى الله عليه وسلم يتأسى بموسى في أمور كثيرة ويقول: «يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».

ومن أبرز صفات موسى، عليه السلام، المبادرة للخيرات كما في قصة سقيه للمرأتين، ومن مبادرته النصح لهذه الأمة كما في محاورته لنبينا، صلى الله عليه وسلم، ليلة المعراج لَمّا فرض الله تعالى عليه وعلى وأمته خمسين صلاة في اليوم والليلة، فقال له موسى: «ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ، فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ تُطِيقُ ذَلِكَ، وَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ». ولم يزل النبي، صلى الله عليه وسلم، يتردد بين موسى وربه، عز وجل، ويخفف عنه في كل مرة، حتى صارت خمس صلوات في اليوم والليلة، فجزى الله نبينا محمداً ونبي الله موسى، عليهما الصلاة والسلام، عنا خيراً.

وما بسطه القرآن الكريم من تفاصيل القصة، ما يدل على كمال رعاية الله لموسى في جميع شؤونه، فقد وُلد، عليه السلام، والطاغية فرعون كان يقتّل أبناء بني إسرائيل ويستبقي نساءهم لخدمته وخدمة قومه، كما قال تعالى ممتناً على بني إسرائيل: «وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ».

وأوحى الله إلى أم موسى أن تلقيه في اليمّ حماية له من فرعون وجنوده، كما قال تعالى: «وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ»، فأمرها الله تعالى أن ترضعه قبل إلقائه في اليمّ ليتعرف إليها من بينِ عشرات المرضعات، فكان للرضعة الأولى بصمة اللقاء المرتقب. والله جل جلاله إذا أراد شيئاً هيّأ له أسبابه «فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ» بأن تضعه في صندوق وتلقيه في اليم المائج، والموج الهائج، فهو الملاذ الآمن للطفل الرضيع!

ووعدها جل في علاه: «وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ»، فهذا وعد من الله لأم موسى، يهدئ روعها، ويطمئن قلبها، ويبشرها بحياته وجعله رسولاً، ففعلت، فأنجاه الله «أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ»، فكان أمانه في أخوف مكان، ليكون جبروت فرعون هباءً وخواءً أمام تدبير الجبار وقدرته، جل في علاه، وتقدس في سماه، فيربيه ويرعاه فرعون دهراً من الزمن، وما علم أن الذي بين يديه نهايته على يديه، فسبحانه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y27kt479

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"