عادي

دعاء أعرابي في ليلة القدر

23:25 مساء
قراءة 4 دقائق

د. يوسف الحسن

سمعت أعرابياً، يدعو ربه في ليلة القدر، أن يُملِّكه أمر العرب ثلاثة أيام فقط. فقمت إليه أسأله، إن رأى، أن يُمنّ عليَّ بتفسير ما دعا، وتفصيل ما أجمل، وما هو بفاعل في هذه الأيام الثلاثة إذا ما تولى أمر الأمة العربية.

فقال: قرأت فصلاً من تاريخ العرب، في زمن التتار والمغول، حينما كان الأب يوشي بولده طلباً للسلامة، وحينما كان السيَّاف يقطع رؤوس الناس المصطفين أمامه في طابور طويل، وحينما يتعب السيَّاف، من كثرة قطع الأعناق في نهاية النهار، ينام أفراد «الطابور» في انتظار السيَّاف في صباح الغد ولا يهربون.

وحينما سألته: «ويحك يا ابن العم»، وما منعهم من الهرب؟ قال: إنه الخوف يا أخا العرب. الخوف، الخوف.

وأضاف: «اعلم أن «حالتكم» كعرب في هذه الأزمنة، أفضل من «حالتكم» في زمن المغول والتتار، فأنتم اليوم تملكون «ثلثي المرجلة» كما يقول أهل الشام، وتهربون من مواجهة أزماتكم، وتتقدمون إلى الخلف، وصابرون على الحروب والنزاعات والهوان، لكنكم لم تصلوا إلى القاع، كما كان أجدادكم في زمن التتار والمغول ولم تَفِرّوا كما يفر العصفور، والذي سُميَّ عصفوراً من كثرة الخوف لأنه «عصى وفَرّ».

عدت إلى سؤال الأعرابي، عما هو بفاعل في الأيام الثلاثة، التي دعا ربه أن يُمِّلكه فيها أمور عرب اليوم، فقال: في اليوم الأول، أحشر جميع الشُطَّار و«الفهلوية» والزغار، من سماسرة و«لوتية»، ولصوص الأموال، والفاسدين والمُفسدِين، والساسة الكذَبَة، والمنافقين من الكتَّاب وفي المجالس والمنتديات، ومن هو بخيل لا ينفع الناس، وأَكول لا يشبع، ومن هو ذئب لا يفترس حقوق الناس إلاَّ وهم بين الركوع والسجود، ولا يغش الأوطان إلا وهي في محنة أو فتنة أو قحط أو وباء، وكل من أظهر ورعه ستراً لطمعه في اكتساب إعجاب الناس، ومن جمع ثروة في تجارة الحروب، أو باستغلال منصبه أو بالحيلة وشره التملك، ومن جمع مالاً من البلاد ولم يُعمرِّ فيها مدرسة أو دار شفاء أو وقفاً للبحوث والعلوم أو عمل الخير.

وسأطلب منهم ومن أمثالهم أن يوافوني جميعاً عند غروب الشمس، كل واحد منهم على حمار ووجهه إلى الخلف، فإذا ما حضروا من داخل الوطن العربي وخارجه، في ساحة محددة في كل بلد عربي، جعلت لحية وشارب كل واحد منهم مصرورة في جيبه، ومعهما ورقة مكتوب فيها بلغة عربية، وبترجمة إنجليزية وفرنسية (خاصة لمن قطن لبنان وفرانكوفونيات عربية أخرى)، «اعلم يا كيت وكيت.. ويا أسوأ من لا شيء وأسخم من دخان النفط.. ومن رائحة صنان الإبط والثوم، أن شر الناس من يأكل حقوق الناس، ويهدر كرامتهم، وأشر من ذلك من يكذب عليهم، ويمزق أوطانه طمعاً في كرسي، ولا يأمن وطن من شره وأفعاله». ثم آمر بمصادرة أمواله، ووضعها لعمران البلاد وخير العباد، وإلا فإن بقية عمره سيقضيها في «صفع» وكسر لأضراسه بدون خلع.

وفي اليوم الثاني، أحشر في سجون مشهورة بالقسوة وتشبه سجن قلعة «الجلالي» بمسقط في زمن مضى،أو سجن «أبو غريب» الأمريكي في العراق، كل أفَّاق ومنافق، وكل من نام حتى العصر في رمضان، وكل من أكل حتى انتفخ به البطن، واستغاثت منه المعدة، وتقوست عنده الأضلاع والسيقان، وكل من إذا حُدّث على مائدة الفطور أو السحور، فلم يزد جوابه على نعم أو نعمين، وبلع من الطعام حتى كاد أن ينفلق إلى نصين، وكل من نسي أن حق العربي على العربي، في دول عانت الزلازل والوباء والحروب والفتنة وفساد الحكم والساسة، والغلاء والحاجة والفقر وشح الماء والكهرباء والدواء والغذاء والعدل، ألا يشبع وآخر يجوع، وألا يلبس وآخر يعرى، وألا يأمن وآخر خائف.

وفي اليوم الثالث: أجلب كل من أسهم في ثقب طبقة الأوزون، وتسبب في خراب البيئة، وكل من أنتج أو أخرج أو ألفَّ مسلسلاً تلفزيونياً ضاراً بالأخلاق والصحة النفسية، وزوَّر التاريخ، وأفسد الذائقة، وكل من استعان بأصحاب التصريحات المتناقضة والخطابات المزدوجة في السياسة والاقتصاد والتواصل الاجتماعي، وكل من اعتمد على «شخير» المثقفين، و«تعسيلة» النقابات المهنية وجمعيات المجتمع المدني والأحزاب العربية للخروج من المحنة وهذا الكرب، وكل من يحرق أعصاب العرب البسطاء، ويفجّر مراراتهم. وسأجمع كل هؤلاء مع اللصوص و«الطرارين»، وكل من يُبدّل فكره في الفصول والميادين، ويغير نعليه في المسجد، ويشرب من كل الفناجين، وسأجمعهم في ميادين سميت

ب«التحرير» في أكثر من بلد وأطعم الجميع دجاجاً فاسداً وكل طعام يوِّلد النقرس والبواسير، وأمنعهم عن شرب القهوة والشاي، حتى لا يقوى أحدهم على حمل نواة تمرة، ولا يعرف إعراب جملة مثل «ضرب زيد عمراً».

قلت للأعرابي، بعد أن أسرني دعاؤه، واستغربت، أو قل استحسنت أفكاره، وربما صدَّقت روايته، «يا أخا العرب، أخشى أن يكون قلبك قاسياً عند الدعاء، ولا أدري السبب في أن زيداً يضرب عمراً دائماً».

تركت صاحبنا الأعرابي يكمل أدعيته، ورحت أسأل الله، سبحانه، العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، وأن يصلح ذات بيننا ويؤلف بين قلوبنا، ويفرِّج همومنا، ويحفظ أمتنا ويجيرها من الفتن والمعتدين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y37umep9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"