الكتلة الحيوية والطاقة المتجددة

22:43 مساء
قراءة 4 دقائق

ماري بوث*

بعد أيام من نشر تقرير المناخ الأكثر إثارة للرعب الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، سيقرر صانعو السياسة في الاتحاد الأوروبي ما إذا كان الاتحاد سيواصل اعتماده على حرق الأشجار ومعالجة الكتلة الحيوية للغابات بوصفهما مصدراً للطاقة المتجددة.

وتشير الكتلة الحيوية في صناعة الطاقة، إلى المواد الحيوية التي كانت حية حتى وقت قريب، ويمكن استخدامها وقوداً أو في الإنتاج الصناعي. لكن وفقاً لمركز الأبحاث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية، تزيد هذه الممارسة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أكثر من الوقود الأحفوري، وتدمر الغابات التي تعتبر بالغة الأهمية لامتصاص الكربون من الهواء، إضافة إلى توفير الموائل، ما يقوض الجهود المبذولة للتخفيف من كارثة المناخ القادمة.

يتم حرق ما يقرب من نصف الأخشاب الموجودة في الاتحاد الأوروبي للحصول على الطاقة، ومع زيادة استخدام الكتلة الحيوية، تظهر التأثيرات المتوقعة، بما في ذلك إضعاف «مصارف الكربون»، أي الغابات كثيفة الغطاء النباتي التي تمتص كمية من ثاني أكسيد الكربون أكثر مما تطرح، أو فقدانها بالكامل في بعض الدول الأعضاء. وعلى الرغم من الدعوات المحمومة بشكل متزايد من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ لحماية الغابات وإعادة تشجيرها وتقليل انبعاثات الطاقة إلى صافي الصفر بأسرع ما يمكن، يبدو أن بعض صانعي السياسة الأوروبيين على استعداد لتقويض الإصلاحات التي طال انتظارها لمفهوم الكتلة الحيوية في توجيه الطاقة المتجددة للاتحاد الأوروبي، والاستمرار في التعامل مع الطاقة ذات الانبعاثات الكربونية العالية والناتجة عن حرق خشب الغابات، على أنها «متجددة» وخالية من الكربون، لا بل ودعمها بالمليارات من الإعانات السنوية. ما سيعزز مستويات صافي ثاني أكسيد الكربون داخل الغلاف الجوي واستمرار تدمير تلك الغابات بحجة استجرار الطاقة المتجددة.

وخلصت المحادثات النهائية بين البرلمان الأوروبي والمفوضية والمجلس الأوروبي حول سياسة الكتلة الحيوية نهاية الشهر الماضي، إلى مجموعة معقدة يصعب فهمها من المعايير، بسبب الاختلافات الدقيقة في بعض الأحيان بين المقترحات التشريعية من كل هيئة.

وذكرت مقترحات كل من البرلمان والمفوضية الأوروبية، أن استخدام الكتلة الحيوية للغابات لا يُقوض قدرة غابات الدول الأعضاء على العمل ك «مصارف للكربون»، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي قد تبنى للتو قواعد من شأنها زيادة قدرة الغابات على امتصاص الكربون. وهذه الأحكام تجعل مقترحات البرلمان والمفوضية بالكاد متوافقة مع متطلبات تجنب انهيار المناخ المبينة في التقرير الجديد للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ.

لكن يبدو أن أعضاء المجلس الأوروبي عازمون على مخالفة البنود الأكثر أهمية في مقترحات البرلمان والمفوضية. فهم يريدون إزالة الحماية عن حرق الغابات القديمة؛ وأن يستمر التعامل مع جميع الأشجار وأخشاب الغابات الأخرى على أنها «طاقة متجددة».

إن إصرار المجلس على أن الوضع الراهن جيد وأن الاستخدام المكثف للكتلة الحيوية للغابات لا يضر بها ولا بالمناخ، على الرغم من سيل الأدلة المغايرة لذلك، يشبه إلى حد كبير إنكار حقيقة تغير المناخ ككل، ولا يعطي الأولوية لحماية الغابات أو تقليل الانبعاثات.

كما أن موقف المجلس الأوروبي غير منطقي من الناحية المالية أيضاً، لأن السماح باستمرار حرق الأشجار غير المحدود يُجبر مواطني الاتحاد الأوروبي على مواصلة دفع المليارات من الضرائب الإضافية لدعم الكتلة الحيوية التي يمكن أن توفر بدلاً من ذلك بنية تحتية دائمة للطاقة النظيفة مثل المضخات الحرارية والطاقة الشمسية.

في غضون ذلك، يعتقد صانعو السياسات المؤيدون للطاقة الحيوية أنهم باعتمادهم سياسة الطاقة المتجددة من الكتلة الحيوية للغابات يحمون صناعة الأخشاب، لكن واقع الأمر يقول، إن العديد من مصنعي المنتجات الخشبية قلقون من تأثيرات هذه السياسة على الصناعة، ويدعون إلى فرض قيود على حرق الأخشاب أو كتلتها الحيوية من أجل الحصول على الطاقة.

وفي هذا الصدد، ادعى وزير المناخ الدنماركي لارس آجارد أن المقترحات الأوروبية سوف تحد من حرق الأخشاب، في حين أنها في الواقع ستحد ببساطة من كمية الطاقة المتجددة، المدعومة مادياً والخالية من الكربون، الناتجة عن الحرق. ألم يقرأ آجارد، التقرير الأخير للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، والذي يدعو إلى استعادة الغابات وحمايتها حتى تتمكن من إزالة التلوث الكربوني من الهواء؟ وما هو عذره وهو يقدم ادعاءات خاطئة بشكل واضح بشأن المقترحات الأوروبية؟

لقد فقدت الدنمارك تقريباً «مصارف الكربون» الخاصة بها، وساعدت في القضاء على تلك الموجودة في إستونيا ولاتفيا من خلال استيراد وحرق الخشب. ولم يكن ممثلو الدنمارك فقط هم من قدموا ادعاءات مضللة. فقد وقّعت عدة دول على رسالة حول إصلاحات الكتلة الحيوية التي كانت صادمة من حيث عدد الادعاءات غير الصحيحة التي احتوتها، وتم دحضها من قبل الباحثين والمنظمات غير الحكومية.

وسط كل هذا، هناك شيء واحد مؤكد، وهو أن صانعي السياسة عرضة باستمرار لوابل من المعلومات الخاطئة من جماعات داخل ما يُعرف ب«صناعة الغابات» و«الكتلة الحيوية» الذين يسعون إلى التأثير في قراراتهم. ولسوء الحظ، يبدو أن جهود هؤلاء قد نجحت لحد الآن.

بدورنا نتمنى للمفاوضين كل التوفيق وهم يعملون على إصلاح سياسة الكتلة الحيوية في الاتحاد الأوروبي. فالغابات ليست مسألة صغيرة؛ بل في قلب استراتيجية الاتحاد الأوروبي للطبيعة والمناخ.

*مديرة مجموعة «الشراكة من أجل نزاهة السياسات» غير الربحية (يوروآكتيف)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/44w5u67x

عن الكاتب

مديرة مجموعة «الشراكة من أجل نزاهة السياسات» غير الربحية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"