إيجاد نهج متسق للثروة الأسرية المستدامة

22:16 مساء
قراءة 4 دقائق

مايا برابهو *
تعتبر الشركات العائلية قوة دافعة أساسية لاقتصاد الشرق الأوسط. وفقاً لوزارة الاقتصاد في الإمارات، تمثل الشركات العائلية 90٪ من مجمل القطاع الخاص والتي توظف أكثر من 70٪ من القوى العاملة في هذا القطاع، كما تساهم بحوالي 40٪ في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، حيث لعبت هذه الشركات دوراً أساسياً في تحويل العديد من الصناعات في المنطقة بدءاً من تجارة التجزئة والعقارات والطاقة وصولاً للخدمات المالية. ولتقدير جهود هذه العائلات بمساهمتها في دعم الاقتصاد الوطني، أطلقت الإمارات مؤخراً قانوناً جديداً لتنظيم الشركات العائلية، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير الماضي، بهدف مضاعفة مساهمة الشركات العائلية في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ليصل إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2032.

تستكشف العائلات الثرية بشكل متزايد كيفية المساهمة في مجتمع ذي مغزى ومستدام، ليس فقط من خلال العمل الخيري، ولكن أيضاً في الطريقة التي تدير بها أعمالها وتدير محافظها الاستثمارية. ألقى وباء كورونا وحركات المساواة الاجتماعية العالمية الضوء على عدم المساواة وجعل الناس يعيدون تقييم ما يعنيه أن تكون ثرياً كما أصبح الناس أيضاً أكثر وعياً بالقضايا البيئية الملحة مثل تغير المناخ.

مع تسليط الضوء على الثروة، زادت أخطار سمعة الأثرياء إذا لم يُنظر إليهم على أنهم يديرون أموالهم بشكل أخلاقي حيث إننا نقترب من حقبة جديدة من الشفافية والمساءلة، مع وجود المزيد من الأفراد الفضوليين حول كيفية إنفاق الآخرين لأموالهم، كما رأينا أيضاً تحولاً جلياً في الآراء حول الغرض من الثروة، حيث نشأت الأجيال الشابة مع وعي أكبر بالمخاوف الاجتماعية العالمية وتتساءل عما تفعله أسرهم بثرواتهم وما إذا كان بإمكانهم استخدامها لإحداث تغيير إيجابي.

تمثل هذه التحولات فرصة عظيمة للعائلات لفحص الرؤية والقيم والغرض من ثروتهم ودمج نهجهم عبر أعمالهم ومحافظهم المالية والعمل الخيري وتحديد مجموعة أساسية من القيم، يتفق معها كل فرد في الأسرة، توفر طريقة لإشراك أفراد الأسرة الأصغر سناً من خلال تشجيعهم على تولي أدوار جديدة وتعزيز وعي أكبر ويمكن أن يساعد أيضاً في التخطيط للتعاقب من خلال إعداد الجيل القادم للمسؤوليات التي تأتي مع الثروة. كان من المعتاد أن تقوم العائلات التي تجني الأموال من خلال أعمالها التشغيلية أو استثماراتها بنشر تلك الأصول بمجموعة واحدة من القيم والاستراتيجيات، ثم تنفق ثروتها الخاصة على الأعمال الخيرية والمبادرات العائلية الأخرى بمجموعة مختلفة من القيم والاستراتيجيات.

يمكن للشركات العائلية تطوير نموذج للثروة العائلية المستدامة من خلال دمج معتقداتهم وأهدافهم في جميع عناصر رأسمالهم.

في دول مجلس التعاون الخليجي، يقوم الأفراد الأثرياء ومكاتب الأسرة بنشر رأس المال بشكل متزايد مع التركيز على التأثير الاجتماعي أو البيئي. فوفقاً لتقرير حديث صادر عن جامعة كامبريدج، تقدر قيمة الأعمال والتبرعات الخيرية من قبل الأفراد والعائلات في دول مجلس التعاون الخليجي ب 210 مليارات دولار.

والعديد من فاعلي الخير مدفوعون برغبة قوية لحل المشكلات الاجتماعية ومساعدة الآخرين، بعد أن أمضوا سنوات في جمع ثرواتهم وتنميتها، يشعرون أن عليهم رد الجميل وجعل العالم مكاناً أفضل.

سوف تسترشد تطلعات الكثير من الناس الخيرية بقيمهم وأخلاقهم وما يلهمهم، وغالباً ما يتم دفعهم للعطاء نتيجة أحداث الحياة واختيار دعم القضايا التي أثرت فيهم شخصياً.

يمكن أن يترك إشراك الأسرة في العمل الخيري تأثيراً دائماً كما يمكن أن يساعد الانخراط مع الجيل القادم في العمل الخيري على تعليمهم دروساً مهمة حول قيم أسرهم وتعزيز التعاون.

حتى أنه قد يساعد على إعداد الأطفال أو الأحفاد لإدارة مؤسساتهم الخاصة، فقد كشفت جائحة «كوفيد-19» عن تحديات مجتمعية معقدة تتراوح من تغير المناخ إلى عدم المساواة، مما يؤكد الدور الحاسم للأعمال الخيرية الحديثة في معالجتها.

في حين أن العمل الخيري التقليدي يتكون من التبرع بنسبة مئوية من ثروة العائلة أو الشركة أو الثروة الفردية لصالح القضايا الخيرية، فإن مالكي الثروات يجدون بشكل متزايد فرصاً لتوليد عوائد اقتصادية مع إحداث تأثير إيجابي في العالم ونتيجة لهذا النهج، قامت العديد من العائلات بمواءمة عطاءاتها الخيرية مع أعمالها وطموحاتها في الاستثمار. يدرك أصحاب الأعمال بشكل متزايد أنه يجب عليهم النظر لأصحاب المصلحة الآخرين، بالإضافة إلى تحقيق أرباح للمساهمين حيث إنهم يفهمون أن أعمالهم يمكن أن تزدهر عندما يعتنون بموظفيهم وكذلك المجتمعات التي يبيعون فيها منتجاتهم وخدماتهم.

كما أن العديد من البلدان قد جعلت التزامات الإبلاغ إلزامية، حيث حددت تأثير الشركات الأوسع في المجتمع والبيئة، وبالنسبة للعديد من الشركات، يستلزم ذلك دمج الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ضمن إجراءاتها الحالية لمعالجة الآثار المجتمعية لأنشطتها التجارية.

في السنوات الأخيرة، أعطت العديد من الشركات الأولوية لقضايا الدمج الاجتماعي وتحقيق المساواة العرقية، إلى جانب الانتشار المتزايد لأزمة المناخ وتزايد التركيز على الشركات التي تقلل من تأثير الانبعاثات الكربونية.

الاستثمار المؤثر هو اتجاه متزايد يمتد إلى ما وراء المعايير والممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ليشمل الاستثمارات التي تعالج بشكل مباشر الاهتمامات الاجتماعية أو البيئية بالإضافة إلى تحقيق المكاسب المالية. من خلال دمج اعتبارات التأثير في الاستثمار بهذه الطريقة، يمكن للأسر مطابقة محافظها بشكل مباشر مع المحافظة على المُثل والقيم الأخلاقية والخيرية.

بشكل عام، فإن أكثر العائلات نجاحاً تلك التي امتلكت أصولاً لأكثر من 100 عام مع إمكانية التكيّف مع الظروف المحيطة بها. وعندما يتعلق الأمر بالمرونة والتكيّف مع عالم متغير، قد تساعد الخدمات المصرفية الاستثمارية الشركات العائلية على اكتشاف النهج المناسب لها وإيجاد أفضل الطرق لبدء تنفيذ رؤيتها عبر جميع جوانب ثروتها.

* العضو المنتدب والرئيس الإقليمي لاستشارات الثروة في «جيه بي مورغان»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yvzcf4e7

عن الكاتب

العضو المنتدب والرئيس الإقليمي لاستشارات الثروة في «جيه بي مورغان»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"